تظل روحي (أي نعمتي) بينكم، لا تخافوا. أما في نص أشعيا (48: 16): «والآن أرسلني هو وروحه.» فإن لفظ الروح يفيد هنا إما معنى لطف الله ورحمته، وإما فكر الله الذي أوحى به في الشريعة لأن النبي يقول: إني من الأول (أي أول مرة أتيت فيها إليكم لأخبركم بغضب الله وحكمه ضدكم) لم أتكلم في خفية، أنا من قبل أن يحدث الأمر كنت هناك (وقد أثبت ذلك أيضا في الإصحاح 7): «ولكن الآن رسول السعادة أرسلتني رحمة الله إليكم لأتغنى باستقراركم.» ويمكننا أيضا كما قلت من قبل فهم الروح على أنه الفكر الذي أوحى به الله في الشريعة، بمعنى أن الرسول أتى ليحذر العبرانيين طبقا لأوامر الشريعة التي أعلنها سفر الأحبار (19: 17)
39
ويكون بذلك قد حذرهم في الظروف نفسها وبالطريقة نفسها التي حذرهم بها موسى. وفي النهاية تنبأ لهم أيضا بالاستقرار كما فعل موسى، ولكني شخصيا أفضل التفسير الأول.
والآن، فلنرجع إلى موضوعنا الأول بعد أن اتضح من هذه الأمثلة معاني هذه العبارات: «كان روح الله في النبي، أنزل الله روحه في البشر، البشر مليء بروح الله أو بالروح القدس ... إلخ.» فهذه العبارات لا تعني سوى أنه كانت للأنبياء فضيلة خاصة فوق المعتاد،
40 ⋆
وأنهم كانوا يثابرون على التقوى دواما، وكانوا بالإضافة إلى ذلك قادرين على إدراك فكر الله أو حكمه. وقد بينا أن (كلمة) روح في العبرية قد تعني الذهن أو حكم الذهن؛ ولهذا السبب استحقت الشريعة نفسها، بمقدار تعبيرها عن الفكر الإلهي، أن تسمى روح الله وفكره. وبالمثل يمكن تسمية خيال الأنبياء، بقدر ما كان يكشف عن الأوامر الإلهية، فكر الله وروحه، ويمكننا القول بأن الأنبياء كان لديهم فكر الله. صحيح أن فكر الله وأحكامه الأبدية مسطورة في أذهاننا، بحيث يدرك كل منا فكر الله (مستعملين لغة الكتاب) ومع ذلك فإن المعرفة الفطرية، نظرا إلى كونها معطاة لكل البشر، لم يكن لها، كما قلنا من قبل، قيمة كبيرة وخاصة عند العبرانيين الذين كانوا يدعون أنهم فوق سائر البشر، وبالتالي اعتادوا احتقار العلم المشترك بين الناس. وأخيرا كان يقال: إن الأنبياء لديهم روح الله لأن العامة تجهل علل المعرفة النبوية وتدهش لها؛ ولهذا السبب اعتادت إرجاعها إلى الله، كما ترجع له كل شيء معجز، وسمتها معرفة الله.
نستطيع أن نؤكد الآن دون تردد أن الأنبياء لم يتلقوا وحيا إلهيا إلا بالاستعانة بالخيال، أي بوساطة كلمات أو صور تكون حقيقية مرة وخيالية مرة أخرى. ونظرا لأننا لم نجد في الكتاب أية وسيلة أخرى غير هذه المعرفة النبوية، فليس من حقنا - كما بينا من قبل - أن نختلق وسائل أخرى. أما فيما يتعلق بقوانين الطبيعة التي صدر هذا الوحي طبقا لها فإني أعترف بأني لا أعلمها، إنني أستطيع أن أقول، كما يقول الآخرون، بأن الوحي قد حدث بقدرة الله، ولكني أعتقد بأن مثل هذا القول لا يعني شيئا؛ لأنه يعني إيضاح صيغة شيء فردي بلفظ متعال.
41
إن كل شيء يصدر بالفعل عن الله، بل إنه لما كانت قدرة الطبيعة هي ذاتها قدرة الله
42
ناپیژندل شوی مخ