من صنع الخيال لأننا نقرأ (التكوين، 20: 6): «فقال الله له في الحلم ... إلخ.» فهو إذن لم يكن يقظا بل نائما (أي في حالة يميل فيها الخيال بطبيعته إلى خلق أشياء لا وجود لها) عندما استطاع أن يتخيل إرادة الله.
بل إن بعض اليهود يرون أن الله لم ينطق بألفاظ الوصايا العشر حرفيا، ويعتقدون أن الإسرائيليين سمعوا مجرد ضوضاء عالية لا تتميز فيها الكلمات، وخلال هذه الضوضاء أدركوا بالفكر الخالص الوصايا العشر. ولقد كنت أنا شخصيا أميل إلى هذا الرأي بعد أن لحظت أن نص الوصايا العشر يختلف في سفر الخروج عنه في سفر التثنية، فبدا لي بناء على ذلك (نظرا إلى أن الله لم يتكلم إلا مرة واحدة) أن الوصايا العشر لا تنقل إلينا كلمات الله بعينها، بل تعبر عن معناها فحسب، ومع ذلك إذا لم نشأ تحريف الكتاب يجب أن نسلم، على أية حال، بأن الإسرائيليين قد سمعوا صوتا حقيقيا، فنحن نقرأ صراحة (التثنية، 5: 4): «وجها لوجه تكلم إليكم الرب.» أي كما تنتقل الأفكار من شخص لآخر بتوسط بدنهما،
12
فلكي نكون أكثر اتفاقا مع الكتاب نقول: إن الله قد خلق صوتا حقيقيا ليوحي من خلاله بالوصايا العشر، أما سبب اختلاف الكلمات وطريقة العرض من سفر لآخر فذلك مذكور في الفصل الثامن. ومع ذلك، فإن الحل الذي أقترحه لا يحل جميع جوانب المشكلة، لأنه من غير المعقول أن صوتا مخلوقا يعتمد على الله كأي مخلوق آخر يمكنه أن يعبر باسمه ويبين ماهية الله ووجوده بالوقائع أو بالكلام ويقول بضمير المتكلم: أنا ياهو ربكم. والحقيقة أنه لو نطق إنسان بفهمه وقال لقد فهمت؛ فلن يظن أحد أن الفهم قد فهم، بل إن الذي فهم هو ذهن الإنسان الذي يتكلم. ولما كان الفهم جزءا من طبيعة الإنسان، وكان الإنسان الذي تتوجه إليه هذه الكلمات يدرك طبيعة الذهن فإنه يفهم قياسا على نفسه فكر من يستمع إليه. ولكن، لما كان العبرانيون لا يعلمون من الله، حتى ذلك الحين إلا اسمه، ويريدون الحديث إليه حتى يتأكدوا من وجوده، فإني لا أعلم كيف يتم تحقيق مطلبهم بصوت مخلوق يقول: أنا الله (إذ لا تختلف علاقة هذا الصوت بالله عن علاقة المخلوقات الأخرى به، وهو «أي الصوت» لا يكون جزءا من طبيعته). وإني أتساءل حقا: لنفرض أن الله قد حرك شفتي موسى - ولماذا أقول موسى؟ لنفرض أنه حرك شفتي حيوان ما على نحو يجعلها تعبر عن الكلمات: «أنا الله» وتنطق بها، فهل يكونون قد عرفوا الله بهذه الطريقة؟ وفضلا عن ذلك، يبدو أن الكتاب ينص صراحة على أن الله قد تحدث بنفسه (بعد أن نزل من السماء لهذا الغرض على جبل سيناء، وأن اليهود لم يقتصروا على سماعه، بل رآه كبارهم أيضا، انظر الخروج: 24).
13
هذا بالإضافة إلى أن الشريعة التي أوحي بها إلى موسى، هذه الشريعة التي لا تقع تحت الحس، والتي وضعت كتشريع وطني دون إضافة أو حذف، لم تنص على الاعتقاد بأن الله بلا جسم أو هيئة أو صورة تتخيلها، بل توحي فقط بالاعتقاد في وجود إله جدير بالثقة وتجب عبادته وحده. وإذا كانت تنهانا عن أن نتخيل أية صورة له أو نتصوره على أية هيئة، فما ذاك إلا لكيلا نحيد عن عبادته. والواقع أن اليهود لم يروا صورة الله؛ لذلك لم يستطيعوا تمثله في أية صورة، إذ لو كانوا قد فعلوا ذلك لاختاروا بالضرورة مخلوقا مألوفا لديهم بدل الله. وعلى ذلك، فلو كانوا قد عبدوا الله من خلال هذه الصورة لما عبدوه، بل لعبدوا المخلوق الذي تمثله الصورة ولقدموا له الشعائر وفروض التكريم، ولكن الكتاب يشير صراحة إلى صورة مرئية لله، فلقد رآه موسى عندما سمع الله يخاطبه، ولكنه لم يستطع إلا أن يراه من ظهره، ولا شك في أن هذا الأمر ينطوي على سر سنتحدث عنه طويلا فيما بعد. أما الآن، فسوف أواصل تحليل فقرات الكتاب التي تشير إلى الطرق التي كشف بها الله عن أوامره.
يشير سفر أخبار الأيام الأول (الإصحاح 21) إلى حدوث الوحي عن طريق الصور الحسية وحدها حيث يكشف الله عن غضبه على داود فيريه ملاكا قابضا سيفا بيده،
14
وقد حدث ذلك أيضا لبلعام،
15
ناپیژندل شوی مخ