من نحميا من أن هذا الإصحاح منقول حرفيا من هذه الرسالة؟ إن من يقومون بتفسير هذه النصوص على خلاف ذلك إنما ينكرون المعنى الحقيقي للكتاب، وبالتالي ينكرون الكتاب نفسه، وذلك إذ يعتقدون أنهم يثبتون تقواهم بالتوفيق بأي ثمن بين نص في الكتاب والنصوص الأخرى، ويا لها من تقوى تدعو إلى السخرية تلك التي توفق بين نص واضح ونص غامض،
47
وتخلط بين الصادق والكاذب وتبطل الصحيح بالفاسد. ومع ذلك لا أريد أن أصفهم بأنهم مجدفون على الله، لأنهم حسنو النية، وكل إنسان معرض للخطأ. ومع ذلك فلأعد الآن إلى موضوعي الأول، فبالإضافة إلى الأخطاء التي يجب أن نعترف بها في المجاميع الكلية لرسالة الأنساب، سواء أكانت تلك هي المجاميع المذكورة في «عزرا» أم في «نحميا»، فإنا نلحظ أخطاء كثيرة في أسماء العائلات نفسها، وكذلك في الأنساب وفي الروايات، وأخشى أن أقول في النبوات نفسها. فالواقع أن نبوة إرميا ليكونيا في الإصحاح 22 لا تبدو متفقة على الإطلاق مع قصة يكونيا
48 (انظر نهاية سفر الملوك الثامن وإرميا وأخبار الأيام الأول، 3: 17-19)،
49
ولا سيما كلمات الآية الأخيرة من هذا الإصحاح. ولست أدري أيضا كيف استطاع أن يقول عن صدقيا الذي اقتلعت عيناه عندما رأى أطفاله يقتلون: «بل تموت بسلام ... إلخ.» (انظر إرميا، 34: 5).
50
وإذا كان يجب علينا في تفسير النبوات أن نرجع إلى الواقعة نفسها، كان من الواجب تغيير الأسماء وإحلال اسم صدقيا واسم يكونيا كل محل الآخر، ولكن تلك حرية تصرف زائدة، والأفضل ترك هذا الموضوع جانبا لأن من المستحيل فهمه، لا سيما أنه إذا كان ثمة خطأ ها هنا، فيجب نسبته إلى الراوي لا إلى عيب في المخطوطات. أما الأخطاء الأخرى التي تحدث عنها فلا أعتقد أنه يجب علي ذكرها هنا، لأني لا أستطيع أن أفعل ذلك دون أن أسبب للقارئ مللا شديدا، فضلا عن أن الكثيرين قد سبق لهم ملاحظة هذه الأخطاء، فقد اضطر الحبر سليمان، بسبب ما لحظه من تناقضات صارخة في الأنساب المروية، إلى الوصول إلى النتيجة الآتية: (انظر شرحه على السفر الأول، الإصحاح 8 من أخبار الأيام): «إذا كان عزرا (الذي يظنه مؤلف أخبار الأيام) قد أطلق على بني بنيامين أسماء أخرى، وأعطى ذريته نسبا مخالفا لما هو موجود في «التكوين»، وإذا كان يعطي عن معظم مدن اللاويين معلومات غير التي يعطيها يشوع؛ فذلك لأنه عرف أصولا مختلفة.» ثم يقول بعد ذلك بقليل : «إذا كانت ذرية أبيجبعون
51
وآخرين غيره قد ذكرت مرتين بطريقتين مختلفتين فذلك لأن عزرا استعمل لكل ذرية وثائق مختلفة، وتابع في ترديده لها الاتجاه الذي توحي به أغلبية الوثائق. أما إذا كان عدد الأنساب المتعارضة هو العدد نفسه في الحالتين فإنه يكون منقولا عن النسختين.» وإذن، فالحبر سليمان يسلم تسليما تاما بأن هذه الكتب قد نقلت من أصول لم تكن على قدر كبير من الصحة أو اليقين. وعندما يحاول الشراح، في أغلب الأحيان، التوفيق بين النصوص المختلفة المتعارضة، لا يفعلون حقيقة أكثر من إظهارهم أسباب الخطأ. وأخيرا، ففي تقديري أن ليس هناك فرد واحد ذو حكم سليم يعترف بأن المؤرخين المقدسين أرادوا أن يكتبوا بهذه الطريقة عمدا بحيث يكون النص في المواضع المختلفة متناقضا مع نفسه، فإن قال قائل: إن طريقتي هذه في معالجة الكتاب تقلبه رأسا على عقب،
ناپیژندل شوی مخ