1
الذي وهبتهم الطبيعة إياه، ويجبرون على اتباع قاعدة معينة في الحياة، فإن ذلك يتوقف على قرار إنساني، ومع أني أعترف بلا أدني تحفظ بأن جميع الأشياء محددة بقوانين شاملة في الطبيعة، بحيث توجد وتفعل بطريقة محددة للغاية،
2
فإني أعتقد أن مثل هذه القوانين تعتمد على قرار يتخذه البشر: (1)
لأن الإنسان بقدر ما هو جزء من الطبيعة يكون جزءا من قدرتها؛ لذلك، فإن ما يصدر عن ضرورة في الطبيعة الإنسانية (أي من الطبيعة نفسها من حيث تصورنا لها ابتداء من الطبيعة الإنسانية)، وإن كان ضروريا، فإنه يصدر أيضا عن قدرة الإنسان؛ لذلك فمن الممكن جدا القول بأن وضع هذه القوانين يتوقف على قرار يتخذه البشر، لأنه يعتمد أولا على قدرة الذهن الإنساني، ولأنه يمكننا، بوضوح تام، تصور هذا الذهن، بقدر ما يكون قادرا على الصواب والخطأ في مدركاته، دون هذه القوانين، على حين أن من المستحيل تصوره دون قانون ضروري بالمعنى الذي حددناه. (2)
كذلك قلت: إن هذه القوانين تعتمد على قرار إنساني لأن علينا أن نعرف الأشياء وأن نفسرها بعللها القريبة، ولأن الأفكار الشديدة العمومية عن القدر وعن تسلسل العلل لا تفيدنا على الإطلاق عندما يكون الأمر متعلقا بتكوين وتنظيم أفكارنا الخاصة بالأشياء الجزئية. ولنضف إلى ذلك، أننا نجهل تماما ارتباط الأشياء وتسلسلها، أي إننا نجهل كيفية ارتباط الأشياء وتسلسلها في الواقع. ومن هنا كان من الأفضل، بل من الضروري اعتبارها ممكنة بالنسبة إلى أغراض الحياة العملية،
3
هذا فيما يتعلق بالقانون إذا نظرنا إليه بمعناه المطلق.
على أن لفظ القانون لا يطلق على الأشياء الطبيعية إلا مجازا، ونحن عادة لا نقصد بالقانون إلا أمرا من الأوامر، يستطيع الناس تنفيذه أو إهماله، على أن يكون مفهوما أنه يحصر قدرة الإنسان في حدود معينة، تستطيع هذه القدرة مع ذلك أن تتعداها، ولكنه لا يأمر بشيء يفوق قواها. علينا إذن - فيما يبدو - أن نعرف القانون تعريفا أخص بأنه قاعدة للحياة يفرضها الإنسان على نفسه أو على الآخرين من أجل غاية. على أنه لما كانت غاية القوانين الحقيقية لا تتضح إلا لعدد قليل، ولما كان معظم الناس تقريبا لا يقدرون على إدراكها مع أن حياتهم تسير بدورها وفقا للعقل، فقد وضع المشرعون بحكمة غاية مختلفة تماما عن الغاية التي تنشأ ضرورة عن طبيعة القوانين، فهم يبشرون المدافعين عن القانون بما يفضله العامة على كل ما عداه، وينذرون من يمزقونه بما يرهبه العامة أكثر من غيره. وعلى هذا النحو، حاولوا السيطرة على العامة بقدر الإمكان، كما يسيطر الإنسان على الحصان باللجام. ومن هنا ينشأ ذلك التصور الشائع للقانون على أنه قاعدة للحياة فرضها بعض الناس على البعض الآخر، حتى إننا لنقول في لغتنا الشائعة عمن يطيعون القوانين إنهم يعيشون تحت سلطان القانون ويبدون عبيدا له. وإنه لمن الصحيح حقا أن من يعطي كل ذي حق حقه خوفا من المشنقة يفعل ذلك بأمر الآخرين، ويضطر إليه خوفا مما قد يلحق به من ضرر، فلا يمكن أن نعتبره عادلا، أما من يعطي كل ذي حق حقه لأنه يعلم السبب الحقيقي لوضع القوانين وضرورتها فإنه يفعل باتفاق تام مع نفسه وبمحض مشيئته لا بمشيئة الآخرين؛ ولذلك كان من حقه أن نسميه عادلا. وأعتقد أن هذا ما أراد بولس أن يدعو له عندما قال: إن من يعيشون تحت سلطة القانون لا يمكن تبريرهم بالقانون:
4
ناپیژندل شوی مخ