الأمهات على أولادها وتعطفها عليهم، وإنه ما استراح ساعة من غم الأمة ورفه المكروهات عنهم، ولو تفكرت في أحوال العقلاء من الناس من الشريف والوضيع كل بحسبه لألفيت كل من تولى وملك شيئا يبالغ في حراسته وصيانته والتحفظ عليه، وفي الأثر (من تولى عشرة أعطي أعقلهم) ألا ترى إلى صنيع راعي الغنم وسايس الأنعام كيف يتنكب بها الوهاد المعشبة والروابي المخضبة، فينقلها من ناد إلى نادي ومن واد إلى وادي، ويفنى ليله ونهاره في صونها عن المؤذيات وحراستها من المهلكات، ولا يشغله عنها شاغل، فكيف عن ملك أمر الأمة وأرسله الله تعالى إليهم نعمة؟ أتراه يتركهم سدى لا ينصب لهم راعيا يدبر أمورهم، وواليا يرجعون إليه في مهماتهم، به يتقوى الضعيف وبه يزول كرب اللهيف، ومنه يتعرفون أحكام واجب الوجود ويقفون على فرائض الملك المعبود، وكيف يرجع اختيار نصب الإمام إليهم؟ وهو أعرف بما يصلحهم منهم فيترك الأصلح إلى غيره من غير ضرورة تدعو إلى ذلك، فإن الضرورة تقدر بقدرها عند عروضها، واحتمال عروضها لا يوجب ترك الأصلح المأمور بفعله، والحال إن نصب الإمام من أعظم المصالح العامة وأهمها باتفاق أهل السنة والإمامية، ولو إن ترك ذلك مستحسن لتركته الملوك والسلاطين فتراهم ينصبون ولي عهدهم قبل كل شئ، ويرشدون رعيتهم إليه، أفيترك ذلك ملك الملوك والعقل الكامل؟ كلا ولو اختبرت أهل السنة لوجدتهم يبالغون في هذا الأمر أكثر من الإمامية، فإنهم تركوا حضور تجهيز النبي (ص) ودفنه، وتهافتوا في سقيفة بني ساعده، واشتغلوا بأمر الإمامة خشية أن لا يختل أمر الدين ولو ريثما يدفن النبي (ص)، لأنهم رأوا ذلك أصلح للدين من
مخ ۵۸