والجوانب البعيدة والقريبة وهذا المقدار من الحفظ غير قابل للإنكار في العصر الأول، بل في جميع الأعصار منظما ذلك إلى الأحكام القرآنية، وكون المطلوب من الحفظ أكثر من ذلك غير معلوم فلا يتم الدليل المزبور، ولا يلزم به المنكر بل ولا المشكك، لأنا نقول إن الدليل على بقاء الشريعة لا يخلوا من أمرين: - أحدهما الإجماع والضرورة. والثاني الكتاب والسنة.
فأما الإجماع والضرورة فإنما يدلان على البقاء فقط، وأما كيفيته فما كانا ليدلان عليها فهما إنما يقضيان ببقاء الشريعة في الجملة من دوام الاعتقاد بالمعارف وضروريات الفروع.
وأما الكتاب والسنة فالمستفاد منهما بقاء الأحكام الواقعية الإلهية إلى يوم الدين على نهج واحد، وفي قوله تعالى (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ (والحديث المتواتر (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه كذلك) وأمثاله من السنة، صراحة بينه ودليل قاطع على ما ذكرنا من بقاء الأحكام الواقعية إلى يوم القيامة على ما نزلت، ومن البديهيات التي لا تقبل الإنكار إن من الممتنع المستحيل أن تبقى الشريعة من دون تغيير وتبديل وزيادة ونقصان على نهج زمان نزول الوحي وعصر حضرت الرسالة إلى أبد الآباد بلا حافظ رباني، وعالم حقاني يتلقى الأحكام من مصادرها ومواردها، ويعرف محكمها ومتشابهها، وبالجملة إن الله تعالى إذا جرى في علمه إرادة بقاء الشريعة بما هي عليه من غير تغيير وتبديل يلزمه عقلا أن يعين لذلك عالم معصوم من الزلل في جميع الأعصار حتى تتم الحجة في إرادة وإلا يلزم
مخ ۱۸