أخذ جرانت الحقيبة إلى غرفته الخاصة، وراح ينظف الفتاحة الصغيرة حتى صارت تلمع، في سعادة وامتنان، وكأنها مسرورة أنها حظيت بالاهتمام بعد كل تلك السنوات، ثم أفرغ جرانت محتويات الحقيبة على الأرض ودس الفتاحة في أول خطاب تصل إليه يده. سألته صاحبة الخطاب الأول كيف تجرأ على لفت أنظار العامة إلى الكلمات التي كتبتها، وسط الكثير من الألم والتنقيب في النفس، في ربيع عام 1911، بأوامر من مرشدها الروحي أزول. كان الأمر يشبه أن يتعرى المرء أمام العامة، أن ترى أبياتها العزيزة مستباحة بهذا الطيش والاستهتار.
وفي ثلاثة عشر خطابا أخرى ادعى أصحابها أنهم هم من كتبوا هذه الكلمات (بدون إرشاد روحي) وسألوا عن الأمر. وأرسل خمسة أشخاص القصيدة الكاملة - خمس قصائد مختلفة - وادعى كل منهم أنه مؤلفها. واتهمه ثلاثة بالتجديف والاستخفاف بالمقدسات، وقال سبعة إنه كان يسرق من سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي. وقال أحدهم: «أشكرك كثيرا على تسلية هذا المساء أيها العجوز، وكيف هو حال الصيد في نهر تورلي هذا العام؟» ودله أحدهم على كتب الأبوكريفا، وآخر على كتاب «ألف ليلة وليلة»، وثالث إلى كتب رايدر هاجارد، ورابع إلى عقيدة التصوف، وخامس إلى الأخدود العظيم، وخمسة آخرون إلى مناطق متفرقة من أواسط وجنوبي أمريكا. وأرسل إليه تسعة أشخاص علاجات للإدمان على الكحول، كما أرسل إليه اثنان وعشرون شخصا منشورات حول جماعات طائفية سرية. كما قدم له شخصان اشتراكات في مجلات الشعر، وعرض عليه واحد تعليمه كيفية كتابة الشعر الرائج. وقال أحدهم: «إن كنت إيه جرانت الذي جلست معه أثناء هبوب الرياح الموسمية في بيشنوبور، فهذا هو عنواني الحالي.» وقالت إحداهن: «إن كنت أنت إيه جرانت الذي أمضيت الليلة معه في الفندق في أمالفي، فإنني أرسل هذا لألقي عليك التحية، وأتمنى لو كان زوجي يضاهيك.» وأرسل أحدهم تفاصيل عن جمعية عشيرة جرانت. تسعة من تلك الخطابات كانت فاحشة وقذرة. وثلاثة منها كانت غير واضحة ولا يمكن قراءتها.
كان يوجد مائة وسبعة عشر خطابا.
أما الخطاب الذي سره كثيرا فكان نصه: «لقد فهمت شفرتك، أيها الخائن اللعين، وسأبلغ الاستخبارات بشأنك.»
لم يحتو خطاب واحد من تلك الخطابات على أي شكل من أشكال العون.
أوه، حسنا. لم يكن حقا يأمل في ذلك. كانت تلك محاولة غير مضمونة النتائج.
على الأقل حظي بشيء من الترويح والتسلية من خلال هذا الأمر . والآن يمكنه أن يهدأ بالا ويتجه للصيد حتى نهاية إجازته المرضية. وتساءل عن المدة التي ستمكثها زوي كينتالين.
كانت الضيفة قد أخذت معها بعض الشطائر ولم تظهر على الغداء، لكن في الظهيرة أخذ جرانت صنارته وتبعها إلى النهر. من المحتمل أنها قد اصطادت في كل أنحاء بحيرة كلون، لكن ربما لم تكن تعرف تلك البحيرة بقدر ما كان يعرفها هو. ربما تسعدها بعض النصائح غير المزعجة. بالطبع لم يكن جرانت ذاهبا إلى النهر من أجل سبب واحد فقط وهو التحدث إليها. كان ذاهبا ليصطاد. لكن سيتعين عليه أن يجد أولا الجزء الذي تصطاد هي فيه. وبعد أن يجدها، يمكنه أن يمر بها ويلوح لها بيده بطريقة عرضية.
بالطبع لم يمر بها مطلقا. إذ جلس على الضفة يراقبها وهي تلقي بطعم جرين هايلاندر فوق تلك السمكة الكبيرة التي ظلت تسعى لصيدها بطعوم مختلفة طوال الساعة المنصرمة. قالت المرأة: «هذه السمكة تستهزئ بي. لقد أصبح الأمر شخصيا بيننا.» كانت المرأة تتعامل مع صنارتها بسهولة كأنها تصطاد منذ نعومة أظفارها، وهي تكاد أن تكون في حالة من الشرود، كما كانت لورا تفعل. كانت مشاهدتها تبعث على الكثير من الرضا.
اصطاد السمكة لها بعد ساعة، وجلسا معا على العشب وتناولا بقية شطائرها. سألته عن عمله، ولم يكن سؤالها بداعي أنه كان أمرا مدهشا، ولكن مثلما قد تسأل عنه لو كان مهندسا معماريا أو سائق قاطرة، وأخبرته عن أولادها الثلاثة وما سيصبحون عليه في المستقبل. كانت بساطتها راسخة، وعدم انشغالها بذاتها كان طفوليا في كماله.
ناپیژندل شوی مخ