لم يكن قد سمع تلك العبارة الغيلية منذ كان طفلا، وأدى التكلف فيها إلى فتور ترحيبه. فأشار إلى الرجل محييا أن صباح الخير.
قال وهو يتقدم نحوهما: «كان يجب على باتريك أن يخبرك أن اليوم مشمس جدا بحيث لا يناسب الصيد.» لم يعرف جرانت أيهما أثار سخطه أكثر؛ طريقة جلاسكو المنفرة في الكلام أم الرعاية غير المبررة.
توارى النمش على بشرة بات الفاتحة عندما توردت. وحارت الكلمات على شفتيه.
فقال جرانت بسلاسة: «أظن أنه لم يرد أن يحرمني من متعتي»؛ وراقب التورد يتراجع وتظهر ببطء أمارات تقدير وإعجاب. لقد اكتشف بات أنه توجد طرق للتعامل مع الحمقى أكثر فاعلية من الهجوم الصريح عليهم. كانت فكرة جديدة إلى حد ما، وكان يجرب طعمها وهو يقلبها على لسانه.
فقال وي آرتشي بابتهاج: «أظن أنكما أتيتما إلى الشاطئ لتشربا شاي الضحى.» واستطرد: «سيسرني أن أنضم إليكما إن لم يكن لديكما اعتراض.»
وهكذا أعدا الشاي من أجل وي آرتشي الكالح الوجه المهذب. وأخرج هو شطائره، وبينما كانوا يتناولون الطعام راح يلقي على مسامعهما محاضرة عن مجد اسكتلندا؛ بماضيها العريق العظيم ومستقبلها الباهر. لم يكن قد سأل عن اسم جرانت وانخدع بحديثه فظنه إنجليزيا. استمع جرانت مندهشا إلى الحديث عن ظلم إنجلترا لاسكتلندا الأسيرة التي لا حول لها ولا قوة. (سيكون من الصعب تخيل أي شيء أقل عبودية أو عجزا من اسكتلندا التي كان يعرفها.) بدا أن إنجلترا مصاصة للدماء، تستنزف دم اسكتلندا الطيب وتتركها ضعيفة وشاحبة. لقد كانت اسكتلندا تتألم تحت نير الاحتلال الأجنبي، وتترنح خلف عربة المحتل، وتدفع الجزية للطاغية، وتسخر مواهبها تلبية لاحتياجاته. لكنها كانت على وشك التخلص من نير العبودية وفك أغلالها؛ كان الصليب الناري على وشك أن يبعث من جديد، وقريبا ستضرم النيران في نباتات الخلنج. لم يبخل عليهما وي آرتشي بأي عبارات مبتذلة.
راح جرانت يراقب الرجل باهتمام يوليه المرء لعمل فني جديد ضمن مجموعة من الأعمال. وقرر أن الرجل كان أكبر سنا مما كان يظن. كان في الخامسة والأربعين من عمره على الأقل، وربما كان يقارب الخمسين. لقد كان أكبر من أن يمكن علاجه. لقد فاتته فرصة تحقيق النجاح الذي كان يرغب فيه أيا كان، ولن يتبقى له أي شيء على الإطلاق سوى ملابسه الفاخرة المثيرة للشفقة وعباراته المبتذلة.
نظر أمامه ليرى أي أثر خلفه هذا الانحراف في الروح الوطنية على الفتى الاسكتلندي الصغير، وقد ابتهج لما رآه. كان الفتى الاسكتلندي الصغير يجلس مواجها للبحيرة، وكأن مجرد النظر إلى وي آرتشي كان فوق طاقته. كان يمضغ طعامه في انعزال عنيد، وذكرت عيناه جرانت بفلاري نوكس: «عينان تشبهان جدارا صخريا يعلوه زجاج مكسور». سيحتاج الثوريون إلى أسلحة أقوى من آرتشي ليخلفوا أي انطباع لدى مواطنيهم.
تساءل جرانت عما يوفر لقمة العيش لهذا المخلوق. «القصائد» لا توفر لقمة العيش. ولا العمل صحفيا مستقلا؛ أو بالأحرى، نوعية الصحافة التي كان آرتشي يرغب في كتابتها. ربما كان يقتات من «النقد». فقد كان النقاد الصغار يستقدمون من صفوف غير الأكفاء. بالطبع كان ثمة احتمال قائم دائما، وهو أنه كان يتلقى دعما؛ إن لم يكن من مواطن ساخط متعطش للسلطة، فمن وكالة أجنبية لها مصلحة في تأجيج المشكلات. كان آرتشي من نوعية مألوفة جدا لدى رجال فرع الأمن القومي؛ شخص فاشل، سئم من الغرور الفاسد.
كان جرانت لا يزال يتوق إلى صحيفة الظهيرة التي كان على جوني أو كيني أن يوصلها إلى بلدة كلون، ففكر في أن يقترح على بات أن يكتفيا بهذا القدر ويتوقفا عن اجتذاب الأسماك التي لم يكن لديها أي نية في تلقف الطعم . لكن لو انصرفا الآن فسيتحتم عليهما أن يعودا سيرا بصحبة وي آرتشي، وكان ذلك شيئا يبغيان تجنبه. لذا استعد جرانت للعودة إلى تجديفه الخامل في مياه البحيرة.
ناپیژندل شوی مخ