فكر جرانت أن لورا هي وحدها التي تستطيع أن تضطلع بدور المضيف الذي يهتم باحتياجات ضيفه ببساطة وعناية. فلا تفاخر خفيا من جانبها بالغداء الذي أحسنت إعداده؛ ولا ابتزازا مستترا. إنها حتى لم تصر على أن تقدم لضيفها أكواب الشاي غير المرغوب فيها، ولم توص بوضوح باستخدامه لمياه الاستحمام الدافئة التي لديها. إنها حتى لم تطلب إجراء محادثة الوصول الصغيرة، ولا الجلوس لبرهة في كياسة وتهذيب. لقد أمدت ضيفها من دون استجواب أو تردد بما كان في حاجة إليه. أمدته بسرير لينام فيه.
تساءل هل بدا محطما أم إن الأمر كان ببساطة أن لورا كانت تعرفه جيدا. وخطر له أنه لا يمانع أن تعرف لورا بشأن نوبات الذعر لديه. كان غريبا أنه أحجم عن إظهار ضعفه أمام تومي بينما لم يعبأ بأن تعرف لورا بأمره. كان ينبغي أن يكون الأمر عكس ذلك.
قالت وهي تسبقه على الدرج نحو الطابق العلوي: «لقد خصصت لك الغرفة الأخرى هذه المرة؛ لأن الغرفة الغربية أعدت وما زالت رائحتها كريهة بعض الشيء.»
لاحظ أن وزنها حقا زاد قليلا، لكن كاحليها كانا جميلين كعادتهما دائما. وبهذه الموضوعية الفطرية التي لم يتخل عنها يوما، أدرك أن افتقاره إلى أي رغبة في إخفاء نوبات الذعر الطفولية عن لورا كان دليلا على أنه لم يعد يوجد ولو جزءا صغيرا في أعماقه لا يزال مغرما بها. إن حاجة الذكر لأن يبدو بمظهر حسن في عيني محبوبته لم تكن موجودة في علاقته بلورا.
قالت وهي تقف في منتصف غرفة النوم الشرقية، وتنظر إليها وكأنها لم ترها من قبل: «يقول الناس دائما عن غرف النوم الشرقية إنها تتمتع بشمس الصباح.» وتابعت: «كما لو كانت توصية ما. إنني نفسي أظن أنه ألطف بكثير أن يكون بوسع المرء أن يطل على منظر طبيعي مشمس. وهذا ما لا تستطيع فعله والشمس في عينيك.» ثم دست إبهاميها في حزام خصرها وحررته قليلا إذ كان يزداد ضيقا. أضافت: «لكن الغرفة الغربية ستكون صالحة للسكنى في غضون يوم أو يومين؛ لذا يمكنك عندئذ أن تنتقل إليها إذا ما رغبت في ذلك. كيف حال عزيزي الرقيب ويليامز؟» «في أحسن حال.»
على الفور خطر على ذهنه مشهد ويليامز وهو يجلس جامدا وخجلا إلى طاولة الشاي في ردهة استراحة ويستمرلاند. كان في طريقه للخارج بعد جلسة مع المدير، وصادف لورا وجرانت وهما يتناولان الشاي، فأقنعاه بأن ينضم إليهما. كان قد ترك انطباعا جيدا لدى لورا. «تعرف، كلما تمر هذه البلاد بإحدى فترات الفوضى المتكررة التي تمر بها، أفكر في الرقيب ويليامز وأغدو واثقة تماما من أن كل شيء سيكون على ما يرام.»
قال جرانت، وهو منشغل بفك أحزمة أمتعته: «أظن «أنني» لا أبعث في نفسك أي قدر من الطمأنينة.» «ليس بقدر ملحوظ. ليس بتلك الطريقة على أي حال. ستكون مبعث اطمئنان إن «لم يكن» كل شيء يسير على ما يرام.» وبهذه العبارة المبهمة تركته. واختتمت قائلة: «لا تنزل إلا حين تريد ذلك. لا تنزل على الإطلاق، إذا اقتضى الأمر. فقط رن الجرس حين تستيقظ.»
أخذ وقع قدميها يبتعد في الممر، واجتاح الصمت المكان في إثرها.
خلع جرانت ملابسه وألقى بنفسه على السرير من دون أن يكلف نفسه عناء إسدال الستائر ليحجب الضوء. وبعد قليل فكر في نفسه: من الأفضل أن أسدل تلك الستائر، وإلا فقد يوقظني الضوء مبكرا قبل الأوان. فتح عينيه على مضض ليقيس مقدار الضوء، فوجد أن الضوء لم يعد يأتي من النافذة على الإطلاق. لكنه كان بالخارج. فرفع رأسه من على الوسادة ليفكر في هذا الأمر الغريب، وأدرك أنه حينئذ كان في ساعة متأخرة من بعد الظهيرة.
استدار على ظهره في استرخاء واستمتاع ورقد يستمع إلى السكون. ذلك السكون الموغل في القدم. استمتع به في ترف وعلى مهل. لم يكن يوجد حيز مغلق بين هذا المكان ومضيق بينتلاند. بين هذا المكان والقطب الشمالي، إذا وصل الأمر إلى هذا الحد. ومن خلال النافذة المفتوحة على مصراعيها كان بوسعه أن يرى سماء المساء، التي كانت لا تزال رمادية لكنها كانت مضاءة بإضاءة باهتة، وبها خط من سحب مستقيمة. لم تكن تلك السماء تحمل أمطارا، لم تكن تحمل إلا صدى للسلام الذي لف العالم في هذا السكون القرير. أوه، حسنا، إن لم يكن بوسعه صيد السمك فبوسعه السير والتنزه. وفي أسوأ الأحوال يمكنه أن يصطاد الأرانب.
ناپیژندل شوی مخ