هل كان بحارا في طريقه للحاق بسفينته؟ هل كان ذاهبا إلى قاعدة بحرية بعد إنفرنيس؟ كان ذلك محتملا. كان الوجه سيبدو ملائما تماما على برج قيادة سفينة. سفينة صغيرة، سريعة جدا، سفينة جهنمية في أي بحر من البحار.
ماذا كان شأنه أيضا؟ ما الذي من شأنه أن يأتي بشاب داكن البشرة نحيف الجسد ذي حاجبين جامحين وشهية كبيرة لاحتساء الكحوليات إلى منطقة المرتفعات الاسكتلندية في بداية شهر مارس؟ إلا إن كان قد فكر في أن يبدأ معمل تقطير غير قانوني في مثل هذه الأيام التي يشح فيها الويسكي؟
كانت فكرة باعثة على السرور. كم سيكون ذلك سهلا! ليس بسهولته في أيرلندا؛ لأن الرغبة في الخروج على القانون كانت مفقودة، لكن بمجرد أن تحققها فإن الويسكي سيكون أفضل بكثير. كاد يتمنى لو أنه استطاع أن يعرض الفكرة على الشاب. ربما كان سيجالسه على العشاء ليلة أمس، ويراقب الوميض وهو يظهر في عينيه بفعل فكرة ذلك الخرق الممتع للقانون. تمنى لو أنه تمكن من الحديث معه بأي حال، وتبادل معه الأفكار، واكتشف أمره. لو أن أحدا كان قد تحدث معه ليلة أمس لربما كان الآن جزءا من هذا الصباح المفعم بالحياة، من هذا العالم السخي الرائع بما يحمله من هدايا ووعود، بدلا من أن ...
قال تومي، مختتما قصة: «ثم نكزه بقضيب فأسقطه في البركة تحت الجسر.»
نظر جرانت إلى يديه، فوجد أنهما كانتا ساكنتين.
لقد أنقذه الشاب الميت الذي لم يستطع أن ينقذ نفسه.
رفع ناظريه فرأى أمامه منزل بلدة كلون الأبيض. كان رابضا في أعلى التلة الخضراء، وحيدا باستثناء غابة التنوب الكثيفة المصاحبة له وتظلله، والملتصقة به وكأنها غزل بلون أخضر قاتم من الصوف على هذا المنظر الطبيعي الأجرد. ومن المدخنة تصاعد عمود دخان أزرق متموج في الجو الساكن. كان هذا المشهد بمثابة الجوهر البديع للسلام والسكينة.
وبينما كانا يصعدان بالسيارة الدرب الرملي المتفرع من الطريق، رأى لورا تخرج من الباب وتقف في انتظارهما. لوحت لهما، وبينما كانت تنزل ذراعها التي كانت تلوح بها أعادت بيدها خصلة الشعر التي سقطت على جبهتها. هذه الحركة المألوفة جعلت الدفء يسري في كيانه مبددا فتوره. فهكذا بالضبط اعتادت أن تنتظره على رصيف بادنوخ الصغير في انتظاره حين كانت طفلة؛ بنفس التلويح ونفس حركة إزاحة خصلة الشعر. خصلة الشعر نفسها.
قال تومي: «تبا، لقد نسيت أن أرسل خطاباتها بالبريد. لا تذكر الأمر أمامها إلا إذا سألت عنه.»
قبلته لورا على خديه، ونظرت إليه نظرة سريعة، ثم قالت: «لدي طائر جميل مطهي من أجل غدائك، ولكنك تبدو وكأن قسطا طويلا من النوم الهانئ سيكون أجدى لك. فلتصعد مباشرة إذن إلى الطابق العلوي، ونم وانس أمر الطعام حتى تستيقظ. أمامنا أسابيع طويلة لنتبادل فيها الأحاديث؛ لذا لا يتعين علينا أن نبدأ الآن فورا.»
ناپیژندل شوی مخ