ففي خلاصة اليومية أقول بعنوان «القول والقائل»: «انظر إلى ما قيل لا إلى من قال - قاعدة لا يصح إطلاقها في كل حالة - فالكملة تختلف معانيها باختلاف قائليها، فإن كلمة مثل قول المعري:
تعب كلها الحياة فما أع
جب إلا من راغب في ازدياد
يؤخذ منها ما لا يؤخذ مما تسمعه في كل حين بين عامة الناس من التذمر من الحياة وتمني الخلاص منها، فإننا نثق بأن المعري مارس الأمور الجوهرية في الحياة ودرس الشئون التي تكون منها عذبة أو مرة، نكدا أو رغدا، ولم يسبر منها أولئك العامة إلا ما يقع لهم من الأمور التي لا تكفي للحكم على ماهية الحياة.»
وفي «رسالة الإنسان الثاني» بعنوان «عصر المرأة» أقول:
وقفت على آراء في المرأة للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهور، فأعجبني حذق الرجل وجرأته على المجاهرة بأقوال، يعد قائلها في أوروبا خلوا من التهذيب وسلامة الذوق، وإن كنت أراه قد غلا في مذهبه إلى حد ربما كان الدافع به إليه غلو المدنية العصرية في نظرها إلى المرأة ورعايتها إياها.
وقد سألت صاحب الهلالي في هذا الموضوع لأنني انتظرت أن أعرف الرأي الراجح من تجاربه كما أعرفه من اطلاعه ودرسه، فسمعت منه الجواب المفيد عن الأمرين.
قال لي في بساطة الرجل الذي يتحدث عن الجو أو أحاديث السمر العارض: «إننا نعرف من التشاؤم مزاج صاحبه كما نعرف ذلك من التفاؤل، وقد يكون رأيهما واحدا في حقيقة من الحقائق العلمية، أو الفكرية، ولكن هذا يجعله سببا للرضا والآخر يجعله سببا للسخط على حسب مزاجه، فليست المسألة معهما مسألة صحة أو بطلان، ولكنها مسألة التأثر على حسب المزاج.»
وأحسب أنه قال أيضا: «إننا نترك البحث عن الأصح ونبحث عن الأصلح، فنرى أن التفاؤل أصلح للعمل في الحياة والنجاح فيها؛ لأنه أصلح لاحتمال الشدة وأصلح للأمل في النتيجة.»
وأحسن ما حسن عندي من سمت الرجل، ومن بساطته في حديثه وبساطته في كتابته؛ أنه لم يتخذ من قواعد العلم كتافا لعقله يحجر عليه ويحرجه إحراج الموسوس، الذي يكرر الواقعة مرة بعد مرة ليستوثق من صحتها وضبطها من جميع نواحيها وأطرافها، ثم يرى أنها هي العلم وكل ما عداها فليس من العلم في شيء.
ناپیژندل شوی مخ