وكنت أعيب عليه هذا الحذر، وكان يقول لي: إنك يا بني لا تعلم أنها مسألة خطرة على حياة المئات. ومن يدري؟ فقد تتعرض لما تعرض له أصحاب المطبعة العثمانية من حيث لا نعلم، وذلك غاية ما نخشاه.
أما مسألة المطبعة العثمانية هذه فيستطيع من شاء أن يراجعها في الصحف المصرية (أبريل سنة 1902)، وخلاصتها كما سمعتها من هذا الرجل العليم بها - دون أن نتوسع هنا في تفصيلاتها - أن أحرار الترك نشطوا يومئذ لنشر الدعوة إلى الدستور والحكومة النيابية، وأصدروا بالقاهرة صحيفة كانوا يرسلونها خفية إلى أنصار هذه الحركة في أنحاء الدولة العثمانية، وقلق السلطان «عبد الحميد»، واشتدت رغبته في الوقوف على أسماء هؤلاء الأحرار من رعاياه المقيمين في بلاده، وجزاؤهم - لو أنهم عرفوا - قضاء بالموت أو بالعذاب في غيابات السجون، فإذا بقضية تدبر في القاهرة للحجز على المطبعة العثمانية؛ ظاهرها أنها دعوى مدنية، وباطنها أنها حيلة للاستيلاء على الأوراق التي فيها الأسماء والعناوين.
ويفزع أحرار الترك حذرا من سوء العاقبة على إخوانهم الغافلين في بلادهم، فيلجئون إلى الوكالة البريطانية!
وتتخطى الوكالة البريطانية القانون، فتأمر بكسر الأختام وتسليم الأوراق إلى أصحابها وترك ما في المطبعة ما عدا ذلك محجوزا عليه، وتكسب بذلك ولاء طائفة من أحرار الترك، ومعاكسة السلطان «عبد الحميد».
وهنا يقرأ العجب من شاء الرجوع إلى الصحف في تلك الأيام: بين الغيرة على الأختام، والغيرة على أرواح المئات من طلاب الحرية والدستور.
فؤاد «الصاعقة»
أحمد فؤاد.
إذا كان سبب من أسباب السمعة مانعا للكتابة عن أحد، فهذا الكاتب الصحفي أولى الناس بالسكوت عنه.
ولكنه أحق الصحفيين بالكتابة عنه إذا كان تاريخ «الأدوار الكتابية» في حياة الصحافة عندنا موجبا للكتابة عن صاحب الدور.
فقد كان «أحمد فؤاد» صاحب صحيفة «الصاعقة» الأسبوعية أشهر الصحفيين من أبناء جيله في تمثيل ذلك الدور الذي عرفناه في صحافتنا، بعد ظهور الصحف السيارة عندنا وانتشارها في أواسط القرن التاسع عشر، فإذا وجب أن تختصر أسماء الصحف التي يصح أن نطلق عليها عنوان «صحافة الهجاء الاجتماعي» في اسم واحد، فاسم «فؤاد الصاعقة» هو ذلك الاسم الذي لا يزاحمه شريك مثله في هذه الصناعة.
ناپیژندل شوی مخ