111

أما «الطان» فكان المرجح لها عند العارفين بالشئون الصحفية أن ترجمة اسمها «الزمان» تجعلها أصلح للنداء عليها في اللغة العربية.

ولكن «الطان» صحيفة شبيهة بالرسمية وعلى صلة بالدواوين العليا ، فليس من الموافق لحزب يسمى بحزب الأمة ويتجنب الاتصال بقصر «عابدين» وقصر «الدوبارة» على السواء، أن يتخذها مثالا لصحيفته القومية.

فانتهى الخلاف إلى اختيار «الجورنال» نموذجا لصحيفتهم، و«الجريدة» هي ترجمة اسم الجورنال.

وظهرت «الجريدة» على مثال الجورنال في الصبغة «غير الرسمية» وفي نظام التحرير وترتيب الصفحات، وأظهر ما كان في هذا النظام فتح صفحات «الجريدة» للكتابة الأدبية، بأقلام ناشئة الجيل الحديث، وربما أفسحت في صفحتها الأولى - إلى جانب المقال الافتتاحي - موضعا بارزا لقصيدة عاطفية أو مقال طريف من مقالات الوصف والنقد اللغوي، وترددت على صفحاتها أسماء «هيكل» و«عبد الرازق» و«طه حسين» و«محمد السباعي» و«شكري» و«المازني» و«القاياتي» وكاتب هذه السطور، وغيرهم وغيرهم كثيرون.

وكان «اللواء» لسان حال الحزب الوطني، و«المؤيد» لسان حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية يتقبلان الكتابة بأقلام الناشئين، ولكنهما يقصرانها على الناحية السياسية ولا يرحبان بالكتابة الأدبية، إلا إذا كانت بأقلام الشعراء والكتاب النابهين من طراز «شوقي» و«حافظ» و«مطران» و«المويلحي» و«المنفلوطي» وأمثالهم بين أدباء الجيل المتقدم، فاتجه الأدباء الناشئون إلى «الجريدة» ولا سيما الطلبة والموظفون؛ إذ كانت الكتابة في السياسة محظورة عليهم، وكانوا يكتبون فيها أحيانا إلى الصحف عامة - ومنها الجريدة - بتوقيع مستعار.

وكنت أرسل مقالاتي أو مقطوعاتي الشعرية بالبريد فتنشر بعد يوم أو يومين من وصولها، ولكني قدرت لإحدى المقالات أنها لا تحل عند قلم التحرير محل الترحاب إذا وصلت إليه محولة من مدير التحرير، فتعمدت أن أسلمها إلى المدير يدا بيد، ولم أجد صعوبة في لقائه عندما قصدت إلى مكتبه على غير ميعاد.

كانت المقالة على ما أذكر نقدا لكتاب الأستاذ «محمد لطفي جمعة» عن «كلمات نابليون»، وكان الأستاذ «جمعة» قد نقل بعض الكلمات كلما ترجمتها بحروفها ولم يشر إلى هذه الترجمة، فلما نبهت إلى ذلك في تعليقي على كتاب الأستاذ «محمد لطفي جمعة»، تذكرت أنه صديق لأكثر المحررين «بالجريدة». فكان ذلك من دواعي التفكير في لقاء الأستاذ «أحمد لطفي السيد» لتسليمه المقالة، ولإرضاء فضول الشباب برؤية ذلك «الفيلسوف» الكبير الذي كنا نقرأ له ولا نراه.

واستقبلني مدير الجريدة استقبال الرعاية والترحاب، ثم تصفح المقالة على عجل وأمر بإرسالها إلى المطبعة على الأثر، وهو يقول مبتسما: ألا تخاف من نابليون يا بني؟!

قلت وأنا أعلم أن كلمة الديمقراطية من أحب الكلمات إليه وأكثرها ترددا على لسانه وقلمه: الحمد لله على نعمة الديمقراطية!

ولفت نظري أن إمام الديمقراطية المصرية يلبس «البونجور»، ويحرص على السمت «الأرستقراطي» في زيه وتقاليد سلوكه المهذب مع زواره ومرءوسيه، فثبتت في ذهني هذه الصورة ولا تزال ثابتة إلى اليوم، فإذا ذكرت «لطفي السيد» في غيبته، فلست أذكره إلا وهو يلبس «البونجور»، بعد أن رأيته عشرات المرات بالزي «الإفرنجي» المألوف.

ناپیژندل شوی مخ