ولمحت بين مؤلفاته كتيبا صغيرا أبيض بالفرنسية طبع بدار المعارف بالقاهرة، بعنوان جلال آل أحمد كاتب إيران المعاصر بقلم: مونوت. ويحتوي الكتيب على ترجمة فرنسية لإحدى قصص جلال آل أحمد اسمها «زيارة للأماكن المقدسة»، ومقدمة استعرض فيها مونوت حياة جلال آل أحمد منذ ولد في طهران سنة 1923، واتجه في أول حياته إلى حزب تودا أو حزب الجماهير الإيراني، ثم انفصل مع مجموعة عن هذا الحزب سنة 1947، وأكمل دراسته الجامعية وحصل على ليسانس الآداب وأصبح أستاذا للغة الفارسية، وكان له نشاط صحفي وأدبي، حرر في جريدة «الشعب» ومجلة «الطلبة» ومجلة «العلم والحياة» ومجلة «الشاهد» الناطقتين باسم الحزب الاشتراكي تحت زعامة مصدق، وأسس مجلة اسمها «العالم الشهري» صودرت بعد العدد الثاني، ثم أصبح رئيسا لتحرير مجلة العالم الجديد لكنه أقيل من منصبه سنة 1966. وقد أصدر جلال آل أحمد مجموعات من القصص القصيرة منها «الزيارات» و«آلامنا» و«ألسنا في حاجة إلى هذه المرأة»، وعدة روايات طويلة منها «عش النحل» و«مدير المدرسة» و«نون والقلم»، وكتب دراسات ومقالات نقدية، وترجم لدوتسوفسكي وكامو وسارتر وأندريه جيد ويونسكو، وله كتاب بعنوان «خدمات وخيانات المثقفين».
وقلت لجلال آل أحمد: هذه دار مصرية نشرت لك إحدى قصصك.
وابتسم، وقال: ولكنها صدرت باللغة الفرنسية وليست اللغة العربية. لقد قرأت قصصا لبعض الكتاب العرب باللغة الفرنسية أيضا، ولكني لا أريد هذا؛ أريد أن يلتقي الأدب العربي والأدب الفارسي وجها لوجه وباللغة العربية وباللغة الفارسية دون أي وسيط فرنسي أو إنجليزي.
وكانت الشمس قد غابت والدنيا أظلمت دون أن أدري فنهضت وملأت حقيبتي بمؤلفات جلال آل أحمد الفارسية.
وودعني هو وزوجته سيمين دانشوار حتى الباب الخارجي للحديقة الصغيرة، وظل ممسكا بيدي وهو يصافحني قائلا: تأكدي أن هذا النظام في إيران سوف يسقط قريبا. إن 80٪ من الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، ولن يستمر الحال هكذا طويلا، شعب مصر وشعب إيران صديقان، ونحن نحب العرب، وعداؤنا لإسرائيل مثل عدائكم.
كان واقفا أمامي ممسكا بالباب، والشمس قد غربت، وشبح أسود لمحته يتحرك في الظلمة، والتفت ورائي وقشعريرة باردة تسري فوق جسمي، وقال جلال آل أحمد بصوت مرهق: مخابرات الشاه في كل مكان.
وشددت على يده وأنا أصافحه وهاجس غامض ملأني بالقلق ووجدتني أقول له: احترس؛ فالخطر يحوطك.
وقال بهدوء: اختفى بعض أصدقائي، وقد يحين دوري في أي وقت.
ولم أكن أعرف وأنا أودعه أنه الوداع الأخير، وأنني سأزور طهران مرة ثانية بعد عامين فلا أجده.
وفي الطريق المظلم وأنا عائدة وحدي شعرت بالخوف، قطرات المطر فوق الأسفلت كوقع الأقدام من خلفي، وحفيف الأشجار على جانبي الشارع الهابط من الجبل كأنفاس شبح مختف، والظلمة داكنة، والجبل عال أسود، والطريق ضيق ينحدر إلى أسفل، ووصلت إلى غرفتي بالفندق وأنا مبللة بالعرق. •••
ناپیژندل شوی مخ