وحين تدهورت الأمور وانتشر الفساد وعمت المجاعة لم يتصور عامة الشعب بأن الإله هو المسئول؛ فالمفروض أن الإله لا يخطئ، وإنما الخطأ يقع على ناقل الأوامر، وفي كل أزمة يصبح الوزير هو كبش الفداء، يضحي به الإمبراطور ليرضي الشعب، ويعين وزيرا آخر أو وزارة جديدة، وهو هنا لا يختلف عن السادات أو أي حاكم آخر.
وكان هيلاسلاسي يعين جميع الموظفين في الدولة ابتداء من الوزراء حتى مديري المدارس والفنادق وحانات الخمور والبارات، ويصدر قرار التعيين شفهيا بحركة شفتيه؛ فهو كالإله لا يمسك قلما ولا يكتب ولا يحب مثل السادات الجلوس على المكتب، وعلى الرسول أن يحول الأمر الشفهي إلى أمر مكتوب ومقدس.
ولا يصبح قرار التعيين نافذ المفعول إلا بعد حلف اليمين أمام الإمبراطور، وفي القصر قاعة خاصة لحلف اليمين يسمونها قاعة «الاستماع»، حيث يقف الموظف المعين منحنيا أمام الإمبراطور ويستمع إلى قرار تعيينه، ثم يستمع بعد ذلك إلى صوت الموظف أو الوزير يعلن الطاعة والولاء ويؤدي القسم أو حلف اليمين.
ولا يختلف حلف اليمين في الحبشة كثيرا عن حلف اليمين في بلادنا.
ومن قاعة الاستماع ينتقل الموظف إلى قاعة أخرى تسمى «غرفة الألقاب»، حيث تصدر المنح الإلهية بالألقاب والنياشين أو العكس، أي تسقط اللعنات الإلهية وتسحب الألقاب والنياشين.
وكان الوزراء يخافون من دخول «غرفة الألقاب» كما يخاف الأطفال دخول غرفة الفئران، ولم يكن لهم من وظيفة سوى إرضاء الإمبراطور ودراسة سيكلوجيته.
وكان إرضاء هيلاسلاسي يتركز في شيء واحد، إثبات الولاء له بحركات الجسم حين الوقوف أمامه، انحناءة الرأس مع انثناءة الركبة اليمنى، والتمتمة ببعض آيات الحمد، ثم التقهقر إلى الوراء حتى الباب الخارجي دون الاستدارة حتى لا يصبح ظهر الواحد منهم في وجه الإمبراطور.
كان الدخل القومي في الإمبراطورية يعتمد على الرشاوي أساسا، وكل خطوة داخل أي مكتب حكومي لها رشوة معروفة، والإمبراطور يعرف ذلك، ويدرك أن إلغاء نظام الرشوة يعرض الدولة للإفلاس.
ولم يكن في وسع الإمبراطور أن يفعل شيئا تجاه هذا الفساد؛ فهو جزء طبيعي من الحياة البشرية، وإلا كان وجود الشيطان عبثا، والله لم يخلق الشيطان عبثا، بل جعل له وظيفة وهي الإفساد.
رغم هذا الإيمان الشديد بالله إلا أن الإمبراطور كان يخشى دائما من حدوث مؤامرة ضده وهو غائب عن الحبشة، وكان كثير السفر والترحال في العالم الواسع، يعشق أوروبا وأمريكا، وأوروبا وأمريكا تعشقه، لكنه أقسم أمام الشعب أنه يعشق وطنه الحبشة ويدافع عنها ضد أي غزو من الخارج. وحين غزت إيطاليا الحبشة هرب إلى إنجلترا، ثم عاد بعد أن استطاع بعض الضباط البواسل أن يطردوا الإيطاليين، وأطاح هيلاسلاسي هؤلاء الضباط البواسل وسيطر على الحكم.
ناپیژندل شوی مخ