قالت: طفلان.
قلت: أنت لا تزالين صغيرة، يا ترى كم من الأطفال سيكون لديك حين تصبحين في الثلاثين؟
قالت ساروجا: لن أنجب غير هذين الطفلين؛ لأن زوجي ذهب إلى الطبيب وأجرى له عملية التعقيم.
وعلمت من مدير المزرعة أن المشرفين الصحيين على المزرعة ينصحون العمال والعاملات بتحديد النسل حتى لا يزيد عدد أطفال الأسرة الواحدة عن اثنين أو ثلاثة، وحتى لا تنشغل الأم بأطفالها عن أعمال المزرعة، وفي المزرعة دار حضانة للأطفال حتى يشبوا ويصلح الواحد منهم للعمل في الحقل أو المصنع. إنها مستعمرة كاملة من الرجال والنساء والأطفال نظمت حياتهم بدقة الساعة من أجل أن يخدموا شيئا واحدا هو إنتاج الشاي. أما الربح الذي يعود من هذا الشاي فلا يعود إليهم وإنما إلى هؤلاء أصحاب المزرعة وأصحاب المصنع.
مصنع الشاي لا يختلف عن المزرعة في ذلك النظام الدقيق المحكم الذي يعرف كيف يأخذ من العاملة أو العامل أقصى الجهد وأكبر الإنتاج نظير أقل أجر وأقل حقوق. وكما تحتاج شجرة الشاي لمزاج وشروط خاصة لتنمو وتزدهر، كذلك تحتاج الأوراق الخضراء داخل المصنع إلى شروط خاصة لتتحول إلى ذلك الشاي الذي نشربه، عملية طويلة تبدأ بتجفيف الأوراق الخضراء بتعريضها لتيار من الهواء الجاف. هذا التجفيف له درجة معينة بحيث تجف الأوراق وتظل محتفظة بمرونتها ولا تتكسر، ثم توضع أوراق الشاي الجافة في آلة معينة لتلف كل ورقة على حدة على شكل اللوزة، ثم تنتقل إلى آلة أخرى حيث تكسر الأوراق ليسيل منها سائلها، ثم تنتقل إلى آلة أخرى ليعاد السائل إليها مرة أخرى، ثم عملية التخمير التي يقوم بها رجل خبير يعتمد في عمله على أنفه الذي تدرب لسنوات طويلة على قياس الدرجة المثلى لتخمير الشاي.
من حين إلى حين يتشمم هذا الخبير رائحة الشاي المخمر ، ثم يوقف عملية التخمير عند درجة معينة. سألت مدير المصنع: ألا توجد آلة قادرة على هذا العمل بدلا من أنف الخبير؟ وقال المدير الهندي: بالطبع هناك آلات حديثة حلت محل أنف الإنسان، ولكنا هنا لا زلنا نفضل أنف هذا الخبير؛ لأنه عجوز ومدرب وأنفه أكثر دقة من الآلة.
ولا أدري كيف سررت من هذه الحقيقة؛ فقد أكد هذا الكلام إيماني بأن حواس الإنسان إذا دربت تكون أكثر دقة وكفاءة من أية آلة؛ فالإنسان هو الذي اخترع الآلة، لكن كم تنسى المجتمعات الصناعية المتقدمة هذه الحقيقة ويضعون الآلة فوق الإنسان ويجعلون البشر عبيدا لها.
بعد عملية التخمير يجفف الشاي ليتخلص من البلولة التي تفسده إذا حفظ طويلا، ثم يمر بعد ذلك بمراحل النخل وتنقية الشوائب، ثم يعبأ في الصناديق الخشبية ويرسل إلى شركات التوزيع، حيث يخلط بأنواع متعددة من الشاي، ويعبأ في العلب الصغيرة التي نشتريها من السوق.
دهشت وأنا أتتبع هذه الخطوات الطويلة الدقيقة، ورأيت هذه الوجوه السمراء النحيلة من وراء الآلات تعمل بغير توقف، ورأيت أجساد الأطفال النحيلة الشاحبة وهي تتطلع إلى الجبل تغطيه أشجار الشاي، يدركون أن مصيرهم كمصير آبائهم وأمهاتهم في الحقل أو المصنع. رأيت البنات الصغار بأقدامهن المشققة يصعدن الجبل وفوق ظهر كل واحدة حمل كبير ينثني تحته جسدها الهزيل. دخلت بيوت المزارعين والمزارعات ورأيت أنهم ينامون على الأرض أو على شيء أشبه بالبرش القديم. دخلت بيت المدير الأنيق وقدم لي فنجانا من الشاي الفاخر فوق صينية من الفضة، كاد الشاي الفاخر أن يقف في حلقي. وحينما لاحظ المدير أنني أبتلع الشاي بصعوبة سألني قائلا: ألا يعجبك الشاي؟ إنه شاي درجة أولى.
قلت: هل هناك شاي درجة أولى ودرجة ثانية؟
ناپیژندل شوی مخ