ويبدو أن أوليا جلبى استطاع الأطلاع على هذه السجلات حتى يتمكن من ذكر هذه الأرقام الكثيرة جدا والإحصاءات الدقيقة خاصة فيما يتعلق برواتب وطوائف الجند وما يتقاضونه كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أيضا ما يتعلق بعوائد القرى والمدن والمحاكم وغيرها. فيقول أوليا جلبى عن هذه السجلات :
«كما وجد رئيس المترجمين ، وأمين السجلات ، وهناك قبة أخرى من الحجر تراكمت تحتها السجلات الشرعية منذ عهد الخليفة عمر رضى الله عنه وأصبحت وكأنها الجبال ، وهذه السجلات تحت تصرف أمين السجلات ومعهم كتخدا».
وبعلاقة أوليا جلبى بالإدارة العثمانية فى مصر ، وهى علاقة كانت لا شك وطيدة حيث كان مقربا من الكتخدا وغيره ، استطاع الأطلاع على هذه السجلات ، وهذا الذى مكنه من رصد هذه الأرقام وهذه الإحصاءات.
يعد أوليا جلبى الرحالة الوحيد من بين كل من سبقوه بالرحلة إلى مصر الذى حرص على إظهار الجوانب المضيئة للحضارة الإسلامية فى مصر فى فترة الحكم العثمانى ، وهى الفترة التي نعتها كثير من المؤرخين والكتاب بأنها فترة تخلف وظلام ، فجاءت رحلة أوليا جلبى لتظهر هذه الجوانب وتبين ما كان فى مصر من مدارس ومساجد وكتاتيب ، ودور للقراء ، وتكايا ، ومستشفيات ومحاكم ، ومبرات ، كما بينت بالتفصيل صورة الحياة الاقتصادية فى مصر من خلال عرض ما كخان بها من حرف وصناعات ووكالات ودكاكين ، ومستوى معيشة الناس وحالة الرغد والرفاهية التى شهدها أوليا جلبى فى أثناء سياحته التى قام بها فى مصر.
أبرز أوليا جلبى أهمية مصر ، وعظمة مكانتها من خلال الخلفية التاريخية البسيطة التى بدأ بها رحلته والتى تناول فيها تاريخ مصر منذ هبوط آدم إلى الأرض وحتى الفتح العثمانى لها ، ودعوة الأنبياء لها ، واستقرارهم بها ، وذكرها فى كتاب الله وفى أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم .
مخ ۲۵