د زکی نجیب محمود پوهنې کې سفر
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرونه
كان رفاعة الطهطاوي (1801-1873م) هو باذر البذور في المرحلة الأولى، وهي البذور التي أخذت تنبت نباتها حتى استنفدت طاقاتها، فجاءت في خاتمتها ثورة عرابية، والبذور التي بذرها إنما هي فكرة الحرية في صورة الجنينية الأولى، وهذه الفكرة هي المعيار الدقيق لقياس درجات صعودنا، فكلما ازدادت الحرية عمقا، ازداد ارتفاعنا على طريق النهضة درجة بعد درجة.
26
ويكتب الطهطاوي في كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين» فصلا بعنوان: «في الحرية العمومية والتسوية بين أهالي الجمعية»؛ أي في الحرية العامة والمساواة بين أبناء المجتمع. وهو يقسم هذه الحرية خمسة أقسام: طبيعية في المأكل والمشرب، وسلوكية في إطار الأخلاق، ودينية تكفل حرية العقيدة، ومدنية تنظم التعامل بين الناس، وسياسية وهو أن تكفل الدولة للمواطن الحريات السابقة.
فالحرية السياسية لم تكن تعني عنده مشاركة الشعب في الحكم، فذاك أمل بعيد المنال! على أن هذه الحريات تتضمن «المساواة»، فهي تنصرف إلى جميع المواطنين على حد سواء، لم يفرق بين رجل وامرأة؛ ومن ثم يمكن اعتباره أول من دعا إلى حرية المرأة دعوة انتهت إلى ذروتها عند قاسم أمين. كما أنه كان أول من بشر بالديمقراطية السياسية التي صاغها فيما بعد أحمد لطفي السيد (1872-1963م)، بل كان الطهطاوي بمثابة الصيحة الأولى «نحو الإصلاح الزراعي» بالمعنى الاشتراكي الذي نفهمه اليوم، عندما كتب فصلا عنوانه «مطلب في تقسيم الأرض بين مالكها وزراعها»: «ينحو فيه باللائمة على ملاك الأرض الذين لا يعطون الأهالي إلا بقدر الخدمة والعمل، وعلى مقدار ما تسمح به نفوسهم في مقابل المشقة!»
27
وفي نفس هذه المرحلة ظهر جمال الدين الأفغاني (1839-1897م)؛ ليجد التربة المصرية قد أصبحت صالحة للثورة، بفضل التنوير الذي أحدثه الطهطاوي بتعاليمه: «لقد جرب الأفغاني أن يبذر بذورا في فارس والأستانة فلم تنبت، ثم جربها في مصر فأنبتت ...»
28
ثماني سنوات قضاها الأفغاني في مصر (من مارس 1871 حتى أغسطس 1879م)، كانت من خير السنين بركة على مصر وعلى العالم الشرقي؛ لأنه كان يدفن في الأرض بذورا تتهيأ في الخفاء للنماء، وتستعد للظهور ثم الإزهار، فما أتى بعدها من تعشق للحرية وجهاد في سبيلها فهذا أصلها.
29
والأفغاني، إلى جانب اهتمامه بفكرة «الحرية»، يهتم أيضا بفكرة صاحبتها منذ بداية النهضة حتى الآن، وأعني بها «الأحكام إلى العقل»، فيؤلف رسالة في الرد على الدهريين (أو الماديين)، يحتكم في كل خطوة من خطوات السير إلى ما ظن أنه حجة عقلية، فهو مثلا يحاول البرهنة على أن نظرية التطور تقوم على الصدفة، على حين أن نظام الكون نظام مدبر، ولا يجوز عند العقل أن تلد المصادفات العمياء مثل هذا النظام المحكم. كما أن نظرية التطور تجعل اللامتناهي ينتج عن المتناهي، وهو ما لا يجوز عند العقل ... إلخ.
ناپیژندل شوی مخ