د زکی نجیب محمود پوهنې کې سفر
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرونه
وكيف يذهب إلى أن القراءة، بنص الآية، نوعان: قراءة الكلمات وقراءة المخلوقات؛ أي قراءة كتاب الله وقراءة لكتاب الكون، وهي فكرة رددها كثير من المتحدثين في شئون الدين في أجهزة الإعلام المختلفة دون أن ينسبوها إلى صاحبها، كما فعلوا في فلسفة الشهادة: لماذا تكون للمفرد «أشهد أن لا إله إلا الله»، بينما تكون العبادة للجمع «إياك نعبد وإياك نستعين»، وغير ذلك كثير مما أبدعه هذا المفكر الكبير، واستباح الآخرون استخدامه دون أن يشيروا إليه ولو إشارة عابرة، كما تقضي الأمانة العلمية والدينية معا ظنا منهم أن الناس لا تقرأ، وأن أحدا لن يهتدي إلى صاحب هذه الأفكار؛ مع أنه لن يصح في نهاية الأمر إلا الصحيح، وسوف يخلد التاريخ زكي نجيب محمود المفكر التنويري العملاق، ويشيح بوجهه عن هؤلاء المتطفلين الذين لن يزيدوا الأرض إلا حفنة من تراب!
الفصل الثالث
نهاية الرحلة
«سقراط مصر أو مشعل الفكر الذي انطفأ ...!» «أي مشعل للفكر قد انطفأ ...» «أي قلب قد توقف عن الخفقان ...!»
مات زكي نجيب محمود! مات شيخ الفلاسفة بعد حياة حافلة بالعطاء والخلق والإبداع! مات سقراط مصر الذي جعل الفلسفة على كل لسان!
وسقراط مصر - مثل سقراط أثينا - رفض أن تكون الفلسفة في بطون الكتب، وأروقة المعاهد والجامعات، وأطلقها من «خارج الأسوار»، على حد تعبيره، لتؤدي دورها المهم في الحياة اليومية، ملايين القراء على امتداد الوطن العربي، كانت تنتظره صباح كل ثلاثاء على صفحات الأهرام لسنوات طويلة! فقد كان مقاله يطبع في خمس صحف عربية في اليوم نفسه! قالت لي عجوز حظها من الثقافة ضئيل: إنني لا أفهم كثيرا مما يكتب، لكنني أحب أن أقرأ له: أرجوك أن تبلغه عني هذه الحقيقة! وأبلغته فابتسم في صمت المحيط، تواضع العلماء!
المنهج ... لا المذهب ...!
وسقراط مصر - مثل سقراط أثينا - كان يرى أن الفلسفة منهج أو طريقة في التفكير تمارس، قبل أن تكون مذهبا يعتنق! يقول: «علمتني خبرة السنين - بين ما علمتني - أن من أخطر مزالق الفكر، أن أقيد نفسي في حدود إطار مذهبي، تقييدا يجعلني أرجع في كل أموري إلى مبادئ مذهب معين؛ ولذلك كان التطور الطبيعي في حياتي الفكرية أن اتخذ اتجاها هو في حقيقته «منهج للتفكير» لا «مذهب» يورط نفسه في مضمون فكري بذاته. فكنت كمن وضع في يده ميزانا يزن به ما يشاء، دون أن يملأ يديه بمادة معينة، لا بد أن تكون هي وحدها موضع الوزن والتقدير» (مجتمع جديد أو الكارثة، ص246).
أقرأ على شفتيك، عزيزي القارئ، اعتراضا في صيغة سؤال: أين، إذن، زكي نجيب محمود رائد الوضعية المنطقية، وصاحب «المنطق الوضعي» الذي أصدره عام 1951م، وصاحب «خرافة الميتافيزيقا» عام 1953م، وصاحب المقالات الطويلة عن «القطة السوداء» و«هذه الكلمات وسحرها» وغيرها كثيرا؟! وجوابي هو أن أحيلك «بدوري» إلى مقالاته الرائعة بعنوان: «قلم يتوب» (أفكار ومواقف، ص171 وما بعدها)، و«عبيد المذاهب» (مجتمع جديد أو الكارثة، ص246 وغيرها) ... وغيرها ... لتعرف أن الوضعية المنطقية لم تكن سوى مرحلة في تطوره الروحي، استفاد منها منهجا ونبذ المذهب، ولك أن تقرأ عبارة كهذه، «كنت لسنوات طوال مخطئا بين مخطئين؛ لأنني كنت بدوري أتعصب لتيار فلسفي معين، على ظن مني بأن الأخذ به يقتضي رفض التيارات الأخرى، لكني اليوم مع إيماني السابق بأولوية فلسفة التحليل على ما عداها من فلسفات عصرنا، أومن كذلك بأن الأمر بين هذه الاتجاهات الفلسفية، إنما هو أمر تكامل في نهاية الشوط» (هموم المثقفين، ص45-46).
والعبارة ليست بالقطع تبرؤا من المذهب الوضعي المنطقي، أو التجريبية العلمية كما كان يحلو له أن يسميها، أو تنصلا منه، وإنما هي تفسير لتلك اللمحة الذهنية التي توقدت لتضيء له الطريق، على حد تعبيره، عندما وقع في ربيع عام 1946م على المذهب الوضعي أو ذلك المنهج الفلسفي الجديد، الذي فرق له بين مجال الوجدان، ومجال العقل: «لقد أراد لي توفيق الله، منذ بدأت حياتي العقلية المنتجة أن أقع على طريق من طرق التفكير الفلسفي، رأيته كأنما خلقت له وخلق لي، ثم رأيته وكأنه أنسب ما أقدمه في عالم الفكر لأمتي؛ لأنه إذا كان الغموض والخلط بين المعاني، هو أحد الأمراض العقلية التي أصابت أمتي، فتلك الطريقة من طرق التفكير هي أنجح وسائل العلاج» ... (قيم من التراث، ص117-118).
ناپیژندل شوی مخ