النار وقعت الحجارة على الماء خفيفة كهيئة الجفافة ودام ذلك إلى الليل وارتفع من ذلك الجو دخان كثير فيه رائحة الكبريت وأعجب من هذا انهم قالوا أنه أصبح في ذلك البلد كل ما عندهم من الفضة نحاسا في تلك الليلة والله أعلم بغيبه قال وهذه المدينة معروفة بأهل الصدق في الأحوال من المجاذيب وقد أدركنا بها رجلين أو ثلاثة من المجاذيب تؤثر عليهم كرامات وحكايات غريبة تدل على صدقهم في مواجدهم وكانت فيما مضى فيها مزارات كثيرة لكثير من أكابر الصالحين ولا يعرف منهم الآن إلا القليل كسيدي سالم المشاط صاحب المسجد الجامع الذي بأقصى المدينة وقبره يزار.
قال وسبب خفاء كثير من قبور الصالحين المدفونين أن البلد تداولته أيدي المسلمين والنصارى مرارا عديدة فقد ذكر ابن بطوطة في رحلته أن النصارى استولوا عليها في أيام السلطان أبي عنان وافتداها منهم بخمسة قناطير من الذهب العين فعد ذلك من مآثرة انتهى قال وقد استولى عليها النصارى أيضا في القرن العاشر.
قلت وفي رحلتنا للحرمين الشريفين سنة ست وتسعين وألف (1096) حاصرها الكفار دمرهم الله تدميرا وذلك أن يوم نزولنا بها بمنزل الركب بسق البحر إذا بسفن ثلاث ظهرت على متن البحر ثم تتابعت الفك في اليوم نفسه إلى أن كملت اثنتين وعشرين سفينة فأقاموا عليها دمرهم الله بقية الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة وأهل المدينة في تلك المدة في هول عظيم ونكد جسيم وعناء شديد وليس فيهم مدبر ولا ذو رأي حميد أو نظر سديد بل أخذوا في نقل أمتعتهم من المدينة لخارجها وحريمهم إلى سوانيهم بالمنشية ولما رأينا ذلك تكلمنا مع وجوههم على فعلهم الغير اللائق فيما يبدو لنا من إظهار الجزع والجبن لأعداء الله الكفرة اللآم الفجرة وقلنا لهم إن هذا الصنع الذميم مما يغريهم عليكم فاصبروا ولا تظهروا لهم
مخ ۱۸۹