123

سفرنامه ابن بطوطه

رحلة ابن بطوطة

خپرندوی

دار الشرق العربي

المنسوب إلى علي ﵁ والأصل في هذه العمرة أن عبد الله بن الزبير ﵄ لما فرغ من بناء الكعبة المقدسة خرج ماشيًا حافيًا معتمرًا ومعه أهل مكة وذلك في اليوم السابع والعشرين من رجب وانتهى إلى الأكمة فأحرم منها وجعل طريقه على ثنية الحجون إلى المعلى من حيث دخل المسلمون يوم الفتح فبقيت تلك العمرة سنة عند أهل مكة إلى هذا العهد وكان عهد عبد الله مذكورًا أهدى فيه بدنًا كبيرة وأهدى أشراف مكة وأهل الاستطاعة منهم وأقاموا أياما يطعمون شكرا لله على ما وهبهم من التيسير والمعونة في بناء بيته الكريم على الصفة التي كانت عليها في أيام الخليل صلوات الله عليه ثم لما قتل بن الزبير نقض الحجاج الكعبة وردها إلى بنائها في عهد قريش وكانوا قد اقتصروا في بنائها وأبقاها رسول الله صلى لله عليه وسلم على ذلك لحدثان عهدهم بالكفر ثم أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يعيدها إلى بناء ابن الزبير فنهاه مالك ﵀ عن ذلك وقال يا أمير المؤمنين لا تجعل البيت ملعبة للملوك متى أراد أحدهم أن يغير فعل فتركه على حاله سدًّا للذريعة. وأهل البلاد الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد يبادرون لحضور عمرة رجب ويجلبون إلى مكة الحبوب والسمن والعسل والزبيب والزيت واللوز فترخص الأسعار بمكة ويرغد عيش أهلها وتعم المرافق ولولا أهل هذه البلاد لكان أهل مكة في شظف من العيش ويذكر أنهم متى أقاموا ببلادهم ولم يأتوا بهذه الميرة أجدبت بلادهم ووقع الموت في مواشيهم ومتى أوصلوا الميرة أخصبت بلادهم وظهرت فيها البركة ونمت أموالهم فهم إذا حان وقت ميرتهم وأدركهم كسل عنها اجتمعت نساؤهم فأخرجتهم وهذا من لطائف صنع الله تعالى وعنايته ببلده الأمين وبلاد السرو التي يسكنها بجيلة وزهران وغامد وسواهم من القبائل مخصبة كثيرة الأعناب وافرة الغلات وأهلها فصحاء بالألسن لهم صدق نية وحسن اعتقاد وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها لائذين بجوارها متعلقين بأستارها داعين بأدعية تتصدع لرقتها القلوب وتدمع العيون الجامدة فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمنين على أدعيتهم ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم ولا استلام الحجر لتزاحمهم على ذلك وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود وإذا وردوا مكة هابت أعراب الطريق مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم وذكر أن النبي ﷺ ذكرهم وأثنى عليهم خيرًا وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء وكفاهم شرفًا دخولهم في عموم قوله ﷺ: "الإيمان يمان والحكمة

1 / 125