الدلاء (1)، وطبا آسيا يشفي بقوله الداء العياء ، له تفنن في فنون العلوم ، وتسلط عليها بذهن يرد المجهول إلى المعلوم ، وقلما يلفى له في سعة المعارف نظير ، أو يوجد من يماثله في صحة البحث والتنقير (2)، وله في البلاد ذكر شهير ، وصيت مستطير ، وخطر خطير ، يضرب في كل فن بسهم مصيب ، ويحظى منه بأوفر نصيب ، ولقي جماعة من الأعلام فأخذ عنهم وحصل ؛ وما زال يؤصل نفسه في المعارف حتى تأصل. فهو الآن قطب مصر وعلمها ، لولا وسوسة تصحبه ، وأخلاق يجل عنها منصبه ، لو كانت لها صورة كانت أشنع الصور ؛ أو تليت له سورة كانت أبدع السور ، وكان في أول أمره مالكيا على رأى أبيه ، ثم انتقل بعد شافعيا لصورة تسمج ، وقضية عن أحكام المروءة تخرج. وقد ذكر لي عنه بعض من أثق به ممن له به اختصاص ، كلاما في حق الإمام مالك رضياللهعنه جاريا على سنن أخلاقه ، ودالا على إنهاج (3) ثوب المروءة وإخلاقه ، ومن جملة ما يصحبه من الوسواس أنه لا يمس منه عضو ولا لباس ، بل يقتصر الوارد عليه على الإشارة بالسلام إليه ، وحط الرأس على العادة الذميمة بين يديه. (4)
وقد حدثني عنه [بعض] (5) من أثق به أنه يأتي إلى جابية الماء في شدة البرد ، فينغمس فيها بثيابه لأقل وسوسة تعتريه ، حتى أثر ذلك في ضعف قوته ، ولاح أثره في اختلال صحته. ورأيته وهو يملي علي من حديثه يمسك
مخ ۳۰۰