وهنالك النجام؛ وهو الشخص الذي برع في معرفة الأنواء وبلغ من أمره أنه يشيم البرق (أي ينظر إليه) ويخبر قومه بأن المطر يصلهم في وقت كذا فيكون الأمر كما قال، وكثيرا ما يعين المنطقة التي بها المطر إذا رأى برقا، بل يوضح الكمية من الماء في تلك المنطقة فيقول من مكان كذا لكذا عميق، ومن كذا لكذا متوسط ومن كذا لكذا ضحل.
لقد ذكر الأستاذ الشيخ الجليل عبد الله عبد الرحمن الأمين الضرير في كتابه «العربية في السودان» أحد أشهر خبراء الأنواء في النصف الأول من القرن الماضي هو محمد علي أزرق من أهالي أبي شام ريفي رفاعة، فقال روى لي أحد رفقائه بأنه في خريف عام سبعة عشر وثلاثمائة وألف هجرية ذهب للزراعة في أبي شام، فجمعهم «أزرق» وأراهم برقا شرقيا ثم قال: إن المطر هاطل بالبويضة وود عركي (حلتان شرقي أبي شام على مسيرة أربع ساعات للراكب)، ولما ذهبوا في الغداة وجدوا الوادي في ري عظيم كما قال فأقاموا وزرعوا يومين، وفي ليلة اليوم الثالث أيقظهم «أزرق» ونبههم إلى برق شرقي وقال إن المطر على مسافة ضحوة من مكانهم هذا، وسيسيل هذا الوادي ويصلهم السيل قبل طلوع الشمس. فعليهم أن يحملوا أمتعتهم ويغادروا إلى أبي شام. فأطاعه فريق وأقام آخرون بالوادي فيهم الراوي؛ ففي الرابعة صباحا سال الوادي فلاذوا بالتلال واستمر السيل يجري حتى الساعة الثامنة، وأصبحت كل الأرض بحرا من البويضة إلى ود الفضل (قرية غربي أبي شام)، أما «أزرق» ومن معه أدركهم السيل في منتصف الطريق عند مكان يسمى «بريدة» فلاذوا بالنجود (الأماكن المرتفعة) ولم يبلغ المتأخرون أبا شام إلا نحو الساعة الثانية بعد الظهر لما تجشموه (أي ما وجدوه من مشقة وجهد) من وحل وطين.
أسماء عين السنة
لقد اهتم أهل السودان بعلم الأنواء؛ وهو العلم الذي اختص بالظواهر الجوية ومعرفة النجوم، ولقد عرف الأعراب منذ عهود بعيدة الظواهر الطبيعية التي تحدث في مناحيهم كل عام، مثل هطول الأمطار وحركة الرياح وأنواعها واتجاهاتها، وبرودة الطقس وحرارته واعتداله، وقصر الليل وطوله من النهار، وتعاقب الفصول وكافة الظروف المناخية، وما يتصل بذلك من مواعيد الزرع والحصاد وتحديد المواقيت اليومية. وحدد العرب ثماني وعشرين «عينة» للسنة الميلادية البسيطة، كل عينة تمتد لثلاثة عشر يوما وثلث عدا عينة «الجبهة» التي تستمر لأربعة عشر يوما، وقسمت هذه العين على فصول السنة الأربعة، لكل فصل سبع عين، وكل عينة ترتبط بنجم معين يظهر في اتجاه معين من السماء وتتابع هذه النجوم بانتظام دقيق من الشرق إلى الغرب. ويدل ظهور كل منها على هذا النحو على بداية فترة العينة المحددة، وكل فترة من فترات هذه العين تحمل ملامح مناخية خاصة، وينتقل القمر في كل يوم ليرافق أحد هذه النجوم الثمانية والعشرين كما يبدو للناظر؛ لذا عرفت هذه النجوم بمنازل القمر. والعينة في الأصل العامي تعني منازل نزول الأمطار وفيضان النيل، وهي «الضراع» و«النترة» و«الطرفة» و«الجبهة»
يسبق المطر. وتطلق العينة كذلك على منازل الشتاء والربيع والصيف. وعين الشتاء هي «السماك»
«البلدة» و«سعد ذابح» و«سعد السعود» و«سعد الأخبياء» و«سعد بلع» و«الفرق المقدم»
أسماء عين الخريف
تبدأ بوادر الخريف بنزول التريا (الثريا) يوم السابع من يوليو، وتسبق الخريف عينتا العصا العطشانة والرويانة، وتبدأ العصا العطشانة في الثالث عشر من يونيو وتنتهي في الخامس والعشرين منه، وتتميز العصا العطشانة بكثرة الكتاحة التي تعرف بالسفاية وتحول اتجاه الرياح من الشمال الشرقي الى الجنوب الغربي. أما عينة العصا الرويانة فتبدأ من السادس والعشرين من يونيو إلى السادس من يوليو ويكون فيها الجو معتدلا وباردا، وفيها تنتهي رغبة الإنسان في كثرة شرب الماء.
تبدأ عين الخريف من السابع من يوليو، كل عينة مدتها ثلاثة عشر يوما وثلث عدا الجبهة، وهي أربعة عشر يوما.
الضراع (ذراع الأسد القوي الذي يبطش به الطرائد):
ناپیژندل شوی مخ