فمن هَذَا يظهر أن حال يحيى يصلح للمتابعة والاعتضاد، لاسيما وَقَدْ نص العلماء عَلَى عدم اشتراط أعلى مراتب الثقة في المُتابِع (١) . أما قَوْل ابن معين: «لا أعرفه»، فأراد بِهِ غَيْر المتبادر إلى الذهن وَهُوَ جهالة العين، فَقَدْ عنى جهالة الحال (٢) ولذا قَالَ العراقي – كَمَا نقلناه آنفًا –: «قَدْ عرفه غيره» .
وبهذا تظهر صحة متابعة يحيى بن المتوكل لهمام، وعدم صحة دعوى تفرد همام بالمتن والإسناد، فيتجه الحمل – والحالة هَذِهِ – إلى من فوقه وَهُوَ ابن جريج، وَهُوَ مدلس (٣) .
والذي يبدو أن الخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من ابن جريج، ولاسيما أن ابن المتوكل وهمامًا بصريان (٤)، وَقَدْ نص العلماء عَلَى أن رِوَايَة البصريين عن ابن جريج فِيْهَا خلل من جهة ابن جريج لا من جهة أهل البصرة (٥) .
وبيانه: أن ابن جريج دلّس للبصريين الواسطة بينه وبين الزهري، وَهُوَ زياد بن سعد، وصرّح بِهِ لغيرهم. كَمَا أنه – وعند تحديثه لأهل البصرة – لَمْ يَكُنْ متقنًا لحفظ الْمَتْن فأخطأ فِيْهِ، لذا قَالَ النسائي عقب تخريجه: «هَذَا حَدِيْث غَيْر محفوظ» (٦) .
فانحصر الخطأ في تدليس ابن جريج، ولهذا نجد الحافظ ابن حجر يقول: «ولا علة لَهُ عندي إلا تدليس ابن جريج، فإن وجد عَنْهُ التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي» (٧) .
_________
(١) شرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: ١٢٩.
(٢) النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ ٢/٦٧٨.
(٣) انظر: جامع التحصيل: ١٠٨ (٣٣)، وطبقات المدلسين: ٤١ (٨٣)، وإتحاف ذوي الرسوخ: ٣٧ (٨٥) .
(٤) انظر: ثقات ابن حبان ٧/٦١٢، وتقريب التهذيب (٧٣١٩) .
(٥) انظر: النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ ٢/٦٧٧.
(٦) السنن الكبرى ٥/٤٥٦ عقب (٩٥٤٢) .
(٧) النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ ٢/٦٧٨.
2 / 4