Refined Grammar
النحو المصفى
خپرندوی
مكتبة الشباب
د ایډیشن شمېره
الأولى ١٩٧١ م
ژانرونه
«إني رأيت النحويين - رحمة الله عليهم - قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن وصيانته عن التغيير، فبلغوا من ذلك إلى الغاية التي أمُّوا، وانتهوا إلى المطلوب الذي ابتغوا، إلا أنهم التزموا ما لا يلزمهم، وتجاوزوا فيها القدر الكافي فيما أرادوه منها، فتوعَّرت مسالكُها، ووهَنَتْ مبانيها، وانحطَّت عن رُتْبَة الإقناع حججُها.
على أنها إذا أخذت المأخذ المبرَّأ من الفضول، المجرَّد عن المماحكات والتخييل، كانت من أوضح العلوم برهانًا، وأرجح المعارف عند الامتحان ميزانًا»
(من كتاب: الرد على النحاة، لابن مضاء القرطبي)
مقدمة / 3
(أ)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
مقدمة:
عاشت صورة هذا الكتاب في عقلي ووجداني زمنا طويلا، وكانت هناك مجموعة أسباب تعاونت جميعًا على هذه المعايشة الطويلة، ثم دفعتْ أخيرا إلى تنفيذه بعد أن هيّأتُ نفسي لأهلية تأليفه، ورسمت خطته التي التزمتها في كل أبوابه وأفكاره، وهذه المقدمة ينبغي أن توضح للقارئ -بإيجاز- الجانبين السابقين من دوافع التأليف والنهج الذي التزمته في تنفيذ هذا المؤلف.
من هذه الأسباب أن طول الصحبة لكتب مسائل النحو القديمة -مطولة ومختصرة، نثرا ونظما- تؤكد لدى كل منصف أن هذه الكتب صعبة الفهم على الشّادين في النحو، بل إن بعضها يتعذر استيعابه على الدارسين المتخصصين أنفسهم، وذلك لامتلائها بالحشو والفضول، أو كما يقول ابن مضاء: "بالمماحكات والتخييل" ففيها حشود من المجادلات الذهنية العقيمة وألوان من العلل والعوامل التي يسوغها منطق العقل لا منطق اللغة، يضاف لذلك كله تخريجات مجهدة واستطرادات شتى وفروع من المسائل متفرقة وغير ذلك، مما ينطمس معه وجه النحو الأصيل تحت ركام المزيف الدخيل.
لذلك أحسست -بعد طول الصحبة مع هذه المؤلفات- أن هذا الجهد المشكور للنحاة ﵏ بعضه مفيد للغة، وبعضه طفيلي معوق عن الوصول لما هو مفيد، بل إن هذا الأخير هو الغالب على مطولات النحو من مؤلفات المتأخرين، ورأيت أن الواجب بذل جهد مخلص لتخليص المفيد من الطفيلي المعوق والإبقاء على "نحو اللغة" لا "نحو الصنعة".
ومن هذه الأسباب أن تخصصي في الدراسات العليا هيأ لي -بكل ظروفه-
مقدمة / 5
(ب)
أن أعايش القضية السابقة في وجهيها الأصيل والدخيل درسًا وتقويمًا وموازنة وكان مجال ذلك كله "منهج النحو العربي" أو بعبارة أخرى: الأسس التي أحكمته وتحكمت فيه، مما كشف لي بطريقة علمية محددة ما كنت أحس به من قبل غائمًا غير محدد، فتعرفت -على قدر جهدي واجتهادي- على مسار التفكير في النحو، وكيف نما وتعقد ثم كان لي من ذلك كله موقف علمي يستند إلى الدراسات اللغوية الحديثة أعانني على فهمه أستاذي العالم الجليل الدكتور "تمام حسان" ولم يكن قوام هذا الموقف النقد فقط، بل النقد والتصحيح، لم يكن قوامه تشخيص الداء وحده، بل تشخيص الداء والدواء جميعا، هذا مع التعاطف التام مع كل ما في كتاب النحو العربي من أصيل صحيح ورفض ما هو طفيلي مزيف.
صار الإحساس الغائم إذن حقيقة محددة، وأصبحت الشكوى الممرورة منهجًا مدروسًا، وانتهت مرحلة الرفض الانفعالي المهوّش، وبدأت مرحلة الفهم المتزن المدروس، وخرجت من دخان الظنون والتخمين إلى مناخ أقرب ما يكون إلى التحديد واليقين، فازددت اقتناعا بضرورة تصفية النحو من أوشابه وعلاجه من أوصابه والكشف عن وجهه الصحيح المشرق.
وفي أثناء ذلك كنت أعيش التجربة في صورة أخرى غير صورة الكتب القديمة والمنهج، كنت أعيشها مع الدارسين المتخصصين من طلاب اللغة الذين يجأرون بالشكوى كل حين من النحو وصعوباته التي تتمثل في تشتت أفكاره وكزازة عرضه، وتجمد أمثلته، وغرابة شواهده وتهافت الكثير منها، مما يترتب عليه تلقائيا التمزق والتململ والكراهية والشكوى المستمرة، مع أن هؤلاء الحانقين الشاكين هم الذين سيحملون -فيما بعد- أمانة تعليم اللغة للصغار والكبار في العالم العربي ومسئولية الكلمة المكتوبة والمنطوقة في حياتنا الأدبية والعلمية.
وفي هذا التصوير السابق للشكوى والتذمر كثير من الحق مع الأسف!! وهو أحد الأسباب التي دفعتني للخروج من الاقتناع الفكري المجرد إلى التصميم العملي على تأليف هذا المكتوب "النحو المصفى" ملتزما في تأليفه النهج التالي:
مقدمة / 6
(جـ)
١ - قبل كتابة أي موضوع "كالحال مثلا" أراجع كثيرًا من كتب مسائل النحو القديمة كشروح الألفية ومؤلفات ابن هشام وغيرهما للإحاطة التامة بكل أفكار الباب كما عرضته هذه المصادر الأصيلة.
٢ - أقوم -بعد ذلك- بتصفية ما لا فائدة فيه وما لا ضرر في تركه كالمجادلات الذهنية والاستطرادات الجانبية والتمارين غير العملية والمسائل المقحمة في غير موضعها وفلسفات العوامل والخلاف حولها والعلل والتعلات والتخريجات الظنية وغير ذلك مما لا يفيد نطقًا وأساء إلى كتاب النحو العربي، وعوق فهمه وأطال نصه، ليبقى بعد ذلك جوهر الموضوع وخطه الواضح الأصيل.
ولا حاجة بي إلى القول بأن هذه التصفية تتم في إطار منهج مدروس -وإن كان غير منظور- هو ما أفدته في دراستي العليا للماجستير والدكتوراه، فهي تصفية مضبوطة لا مندفعة، واعية لاعشوائية.
وسيجد القارئ في بعض الأحيان هزًّا لبعض المسائل التقليدية ونقضا لها مع ذكر الرأي فيها بعد عرضها في إيجاز شديد كما قررها النحاة ﵏ وهذا عمل متعمد وراءه منهج علمي مدروس، وهو في الوقت نفسه جانب من جوانب التصفية التي استهدفها هذا الكتاب ومؤلفه.
٣ - نظمت الأفكار المصفاة للموضوع -كل موضوع- بطريقة تصل إلى الذهن متكاملة، ومن أقرب طريق، وقدمت هذه الأفكار المنظمة ملخصة في سطور قليلة عند بدايته لتقدم للقارئ بنظرة واحدة سريعة ما هو قادم عليه من دراسة الباب كله.
٤ - عرضت الأفكار -بترتيبها في مقدمة الباب- بأسلوب سهل مساوٍ لا كزازة فيه ولا غموض ولا تزيّد، أسلوب مفهوم معاصر واضح لا يقف أبدًا حاجزا بين القارئ وفهم الأفكار، فلا يضيع منه أيّ جهد في غير الفهم نفسه.
مقدمة / 7
(د)
٥ - استخدمت أمثلة حديثة "بدل زيد وعمرو" تنمي عقل الدارس وتصقل وجدانه وتزيد خبرته، وتقربه من لغة الحياة المعاصرة وما تعبر عنه من ثقافة وتجارب، بالإضافة إلى مهمتها الأساسية في إفهام القواعد دون تكلف أو صنعة وكثيرًا ما بدأت بتلك الأمثلة بين يدي الأفكار، لتكون وسيلة الاستقراء والاستنتاج، للتخفيف من منهج عرض النحو المعياريّ الجاف.
ومع ذلك التزمت -في أثناء عرض الأفكار- ذكر ثروة النحو من الشواهد نثرًا وشعرًا إلا ما تهافت نصه أو أدى إلى مجادلات لا طائل وراءها، وفي بعض الأحيان لا أقتصر على تقديم الشاهد يتيمًا ضائع المعنى، بل أقدمه ضمن مقطوعته التي توضح معناه، وتعطف الدارس إليه.
٦ - وضعت بعد كل قسم مجموعة من النصوص للتدريب، اخترتها من الأدب العربي القديم نثرًا وشعرًا، ووراء هذا الاختيار مضمونها الراقي إنسانيا واجتماعيا ووضعت بعد كل منها أسئلة لم أقدم حلها، وهذه الأسئلة لتطبيق قواعد القسم الذي جاءت بعده على النص، ليكون حلها وسيلة الفهم والمراجعة والتطبيق.
وبعد: فقد يكون الكلام السابق أهون الأشياء إذا مر عليه القارئ مرًّا سريعًا وهو يتجشأ أو يتثاءب، ولكنه -في حقيقة الأمر- أصعب الأشياء إذا ما تصورنا أن خطاه تنقلت عبر أكثر من سبعمائة صفحة هي حجم هذا الكتاب، وأنه جشمني من الجهد والإجهاد ما أهبه خالصا لوجه الله .. والعلم.
وإني لأدعو الله أن ينتفع به القارئ قدر ما تعبت فيه!! وأن يتحقق المرجوّ منه بقدر نبل الهدف من
تأليفه: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾.
القاهرة في ٢٠ أغسطس سنة ١٩٧١
محمد عيد
مقدمة / 8
تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:
الكلمة والكلام:
١ - المقصود بالكلمة لدى النحاة، وإطلاقها أحيانًا على الكلام
٢ - صور الكلمة العربية "الاسم، الفعل، الحرف" معناها، علاماتها
٣ - المقصود بالكلام لدى النحاة، والفرق بينه وبين الكَلِم
٤ - صور الكلام العربي وحصرها في الجملتين الاسمية والفعلية
معنى الكلمة:
البُشْرى، اليُسْر، السُّهولة، العذْب، بَشَّر، يَسَّر، سَهُل، عَذُب، نَعَمْ، أجَلْ، مِنْ، لَيْتَ، لَعَلَّ.
كل من الألفاظ السابقة يطلق عليها "كلمة" سواء أكانت اسمًا أم فعلًا أم حرفًا.
لكن ينبغي قبل الفهم النظري للمقصود بالكلمة لدى النحاة التعرف على ما يقصد بالكلمات: "اللفظ، القول، المفرد".
فاللفظ: هو النطق المشتمل على بعض الحروف سواء أكان هذا المنطوق له معنى أم لم يكن.
فالكلمات "نبيه، رائع، المقْتَحِف، التَّرّان" كلها ألفاظ، ومن البيّن أن للأوليين معنى، أما الأخيرتان فلا معنى لهما.
والقول: هو النطق الدال على معني فقط، فالكلمتان "نبيه، رائع" قول، أما الكلمتان "المقْتَحِف، التَّرّان" فليستا من القول في شيء.
والمفرد: يقصد به هنا ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، فمثلا كلمة
1 / 5
"عَذْب" مكونة من حروف ثلاثة هي "ع. ذ. ب" فلو أخذ كل منها مستفردا ما دل على شيء من العذوبة التي تفيدها الكلمة مجتمعة الحروف.
وعلى هذا: يمكن فهم التعريفين التاليين للكلمة، وهما يمثلان تحديد الكلمة لدى معظم النحاة.
جاء في ابن عقيل: الكلمة هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد. ا. هـ.
وجاء في قطر الندى: الكلمة قول مفرد. ا. هـ.
وهذان التحديدان متساويان تمامًا؛ لأن "اللفظ الموضوع لمعنى" تساوي تمامًا "القول".
والمهم من ذلك كله أن الكلمة -وستتردد كثيرا في دراستنا- تطلق على ما له الصفات التالية مجتمعة:
أ- النطق، فدراسة النحو كلها تقوم على النطق فعلا لا على الخط أو غيره من الأمور الدالة.
ب- أن يكون هذا النطق دالا على معنى، فلا علاقة لنا إذن بما لا معنى له من الهراء أو الألفاظ المشوهة.
ج- المفرد -كما حدد فيما سبق- فإن النطق المركب له موقف آخر سيأتي في الحديث عن الكلام.
هذا التحديد السابق هو المعنى المشهور "للكلمة" لغة ونحوا، لكنها قد تستخدم عن طريق المجاز البلاغي دالة على كلام كثير جملة أو عبارة أو قصيدة أو خطبة، فلنتأمل ما يلي:
- قول القرآن في حديث عن الكافر: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ ١
_________
١ من الآية ٩٩ من سورة "المؤمنون".
1 / 6
- قول القرآن: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ ١.
- ما روي عن الرسول من قوله: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد":
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ... وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ ٢
- ويتردد بيننا كثيرًا قولنا: "بدأ الحفلُ وتوالى الخطباءُ يلقون كلماتِهم".
صور الكلمة العربية:
الإحْسَان، الجميل، الشُّكر، خيرٌ، محبةٌ، جمالٌ. "أسماء".
أحسَنَ، شكَرَ، يُجَامِل، يُواسِي، اصْنَع المعروف. "أفعال".
مِنْ، إلَى، في، ليت، لمْ، هلْ. "حروف".
الكلمة العربية تأتي في صور ثلاث "اسم، فعل، حرف".
جاء في قطر الندى: الدليل على انحصار أنواع الكلمة في هذه الثلاثة "الاستقراء" فإن علماء هذا الفن تتبعوا كلام العرب، فلم يجدوا إلا ثلاثة أنواع، ولو كان ثمَّ نوع رابع لعثروا على شيء منه ا. هـ.
فالنظر في الكلام العربي وملاحظته وتصنيفه هو ما يطلق عليه "الاستقراء" والاستقراء هو الأساس الذي أدى إلى معرفة أن الكلمة العربية أنواع
_________
١ من الآية ١١٩ من سورة هود.
٢ صحيح مسلم، الجزاء الرابع، كتاب الشعر.
ومن البيّن أن حديث الرسول قد أطلق على هذا البيت أنه "كلمة صادقة" لما تضمنه من معنى ديني حكيم خلاصته: أن الله هو الحقيقة الباقية، وكل شيء غيره باطل، وكل نعيم في الحياة زائل.
والاستشهاد بالحديث كله -نثرًا وشعرًا- هو إطلاق "الكلمة" على بيت شعري كامل.
1 / 7
ثلاثة اسم وفعل وحرف، وينبغي التعرف على كل من هذه الأنواع الثلاثة تعرفًا كاملًا من ناحيتين:
أ- تحديد معناه.
ب- علاماته التي يعرف بها.
الاسم:
يقصد به: ما دلَّ على معنى في نفسه، وليس الزمن جزءًا منه، مثل "محمد، خالد، النَّدى، الزرع، البهجة".
والعلامات التي يتميز بها الاسم عن كل من الفعل والحرف خمس هي:
١- الجر: مثل قولنا "عَلَى البَاغِي تدورُ الدَّوائر".
٢- التنوين: مثل "قوةٌ خيرٌ من ضعف، وصراحةٌ خيرٌ من نفاق".
٣- النداء: مثل "يا محمد، يا خالد" ومن ذلك قول القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ ١ وقوله: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ﴾ ٢.
٤- أل: كما جاء في قول المتنبي:
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني ... والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ٣
٥- الإسناد للاسم: بمعنى أن يكون الاسم متحدثًا عنه، بأن يكون مثلا مبتدأ وله خبر يتحدث عنه به، أو أن يكون فاعلا أو نائب فاعل
_________
١ من الآية الأولى من سورة "التحريم".
٢ من الآية ٤٨ من سورة "هود".
٣ هذا البيت لأبي الطيب المتنبي، وليس شاهدًا من شواهد النحو؛ لأن المتنبي -فيما يراه النحاة- لا يستشهد بشعره، وإنما ذكر للتمثيل به فقط حيث ضم البيت سبع كلمات بها علامة الاسم "أل" وهي "الخيل، الليل، البيداء، السيف، الرمح، القرطاس، القلم".
1 / 8
ويتحدث عنه بالفعل، كقولنا "أخذتُ موضعي بين شَبابِ الوطنِ فنحن جميعًا مسئولون عن مستقبله" فالتاء في "أخذتُ" اسم، دل على ذلك إسناد الفعل "أخذ" إليها، والضمير "نحن" اسم، دل على ذلك أيضًا الإسناد إليه، حيث أكمله الخبر "مسئولون".
يقول ابن هشام: وهذه العلامة هي أنفع علامات الاسم، وبها تعرف اسميَّة "ما" في قوله تعالى:
﴿قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ﴾ ١، ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ ٢ ألا ترى أنها قد أسند إليها "الأخيرية" في الآية الأولى، و"النفاد" في الآية الثانية، و"البقاء" في الآية الثانية، فلهذا حكم بأنها فيهن اسم موصول ا. هـ.
تلك علامات الأسماء، وينبغي التنبه للملاحظتين الآتيتين:
الأولى: أنه ليس من اللازم أن تكون هذه العلامات أو واحدة منها موجودة فعلا في الاسم، بل المقصود أنه بالإمكان قبولها وإن لم توجد فيه بمعنى أن الاسم يمكن أن يقبلها أو واحدة منها وإن لم توجد فيه.
الثانية: لا يعني ذكر هذه العلامات الخمس أنه لا بد لكل اسم أن يقبلها جميعًا، ولكن يكفي أن يقبل واحدة منها فقط، ليعلم أنه اسم، فبعض الأسماء يقبل العلامات الخمس، مثل كلمة "رجل" وبعضها الآخر يقبل أربعا منها مثل "محمد" فإنه لا تدخل عليه "أل"، وبعضها الآخر يقبل واحدة فقط مثل بعض "الضمائر" فإنها لا تقبل إلا الإسناد، تقول "ظُلِمْتُ وأنتَ شاهِدٌ".
_________
١ من الآية ١١ من سورة الجمعة.
٢ من الآية ٩٦ من سورة النحل.
1 / 9
وخلاصة الأمر في ذلك أنه يكفي في تمييز الاسم مجرد قبول علامة من العلامات، كما أنه يكفي من ذلك علامة واحدة فأكثر.
الفعل:
يقصد به: ما دل على معنى في نفسه والزمن جزء منه، مثل: "ثَابَرَ، تَفَوَّقَ، يُثَابِرُ، يَتَفَوَّقُ، ثَابِرْ، تَفَوَّقْ".
والفعل يأتي في ثلاث صور هي: "الماضي، المضارع، الأمر" ولكل منها علامة تميزه.
فالماضي: علامته أحد أمرين:
١- قبول تاء التأنيث الساكنة -وهي حرف- مثل: "من حقّ الأمّ التكريمُ والاحترامُ، فقد حملتْ ابنَها وغَذَّتْه ومنحتْه العطفَ والرعاية".
٢- تاء الفاعل -وهي اسم ضمير- سواء أكانت للمتكلم أم المخاطب تقول "أخلصتُ إليك فرَعيتَ إخلاصي ووفيتُ لك فاحترمتَ وفائي".
المضارع: علامته مجموع أمرين:
١- قبول الحرف "لمْ" في أوله، كقول القرآن: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ١.
٢- أن يكون مبدوءًا بحرف من أربعة: "الهمزة، النون، الياء، التاء".
وهي ما يطلق عليها حروف "أَنَيْتُ"، وتسمى أيضًا "أحرف المضارعة" وهذه الحروف يبدأ بها المضارع، فتجيء مضمومة إذا كان عدد أحرف الماضى أربعة أحرف، مثل: "أُجاهد، أُقْدم، نُحرّر" وتكون مفتوحة فيما عدا ذلك مثل "تَهدِي، يَنْصَح، يَرْتَقِي، يَنْتَصِر، يَستمع".
_________
١ الآية ٣، ٤ من سورة "الإخلاص".
1 / 10
والأمر: علامته مجموع أمرين:
١- أن يدل على الطلب: بأن يكون معناه موجها للمخاطب يطالبه بفعل شيء ما، مثل "عامِل النَّاس بما تُحِبُّ أنْ يُعاملوك به" ومثل "استفْتِ قلبَك ولو أفتاك المُفْتُون".
٢- أن يقبل ياء المخاطبة، فالفعلان السابقان "عَامِلْ، استفْتِ" يمكن إسنادهما إلى ياء المخاطبة، كقول الطبيب مخاطبا إحدى الممرضات: "عامِلِي المرْضى برفْق، وخُذي رأيي قبل تنفيذِ العلاج"
الحرف:
هو ما لا يظهر معناه في نفسه، بل مع غيره.
فالحروف "الواو، الفاء، لا، بلْ، ليت، لعلَّ" لا يظهر معناها ولا يتضح إلا إذا انضم إليها غيرها من الأسماء والأفعال في الجمل، كأن تقول مثلا "ظهر الحقُّ والباطلُ فاتَّبعتُ الأوّل لا الأخيرَ".
وعلامة الحرف التي يتميز بها عن الاسم والفعل أنه لا يقبل شيئًا من علامات الأسماء ولا الأفعال، فالحرف "بلْ" مثلا -من حروف العطف- لا يتصور معه تنوين أو جر أو غيرهما من علامات الأسماء، كذلك لا يتصور معه تاء التأنيث أو تاء الفاعل أو "لمْ" أو ياء المخاطبة من علامات الأفعال.
هذا.. وفي نهاية هذا الموضوع ينبغي معرفة عدة أمور جانبية تتفرع على ما سبق من معرفة الأسماء والأفعال والحروف وهي:
أولا: من شعر الفرزدق يهجو أعرابيًّا من "بني عذرة" قدَّم إليه عبد الملك بن مروان الشعراء الثلاثة "جريرًا والفرزدق والأخطل"، ففضل جريرا على صاحبيه، قال:
1 / 11
يا أَرْغَمَ اللهُ أنفًا أنت حامِلُه ... يا ذا الخنَى ومقالِ الزُّورِ والخَطَلِ
ما أنتَ بالحكَم الترْضَى حكومَتُه ... ولا الأصيلِ ولا ذي الرّأيِ والجدلِ٨
ففي البيت الأول دخل حرف النداء على الفعل في "يا أرغم" وهي من علامات الأسماء، والرأي أن المنادى اسم محذوف، والتقدير "يا هذا أرغم الله" أو أن "يا" حرف للتنبيه لا للنداء، ومثل ذلك أيضا قول القرآن: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ ٢، وقول الرسول: "يا رُبَّ كاسيةٍ في الدُّنيا عاريةٌ يوم القيامة" حيث دخلت "يا" في الآية على الحرف "ليت" وفي الحديث على الحرف "رُبّ".
وفي البيت الثاني دخلت "أل" على الفعل في "التُرضَى"، وهي من علامات الأسماء.
وقد علق ابن هشام على هذا البيت الثاني بقوله: ذلك ضرورة قبيحة، وإن استعمال مثل ذلك في النثر خطأ بإجماع ا. هـ.
_________
١ أرغم الله أنفا: الرغام هو التراب، ومعنى العبارة: عفر أنفه بالتراب والمقصود: الإذلال والإهانة. الخنى: الفحش. الخطل: سوء الرأي. الجدل: قوة الحجة في المناقشة.
ومعنى البيتين: إنك ذليل مهان فاحش، كلامك زور ورأيك فاسد، فلست كفئا للحكم بين الناس، فلا أنت شريف، ولا ذو رأي سليم أو حجة مقبولة.
والشاهد في البيتين: دخول بعض علامات الأسماء على الأفعال، إذ دخل حرف النداء "يا" على الفعل "أرغم" ودخلت "أل" على "ترضى".
والرد على ذلك أن "يا" لم تدخل على الفعل، بل دخلت على منادى محذوف وهو اسم، أو هي للتنبيه لا النداء، وأما دخول "أل" على الفعل فهو -كما قال ابن هشام- ضرورة قبيحة.
٢ من الآية ٢٦ من سورة "يس".
1 / 12
ثانيا: دخلت تاء التأنيث على حروف ثلاثة هي "رُبَّ، ثُمَّ، لا" فجاء في نصوص فصيحة قولهم "رُبَّتَ، ثُمَّتَ، لاتَ" والتاء علامة للفعل الماضي.
والرأي أن هذه التاء -كما ترى- محركة، بخلاف ما إذا جاءت مع الفعل فإنها تكون ساكنة، وهذه التاء -مع هذه الحروف- لا تفيد التأنيث الحقيقي، بل هي لتأنيث اللفظ فقط، بمعنى أنها تدل على أن لفظ هذه الحروف مؤنث دون أن تفيد معنى التأنيث بوجود شيء مؤنث.
ثالثا: الكلمات "لَيْسَ، عَسَى، نِعْمَ، بِئْسَ" أفعال ماضية -في أحسن الآراء- إذ تقبل علامة الماضي وهي تاء التأنيث، تقول: "ليستْ الآمالُ قريبةً، لكن عستْ أن تتحقَّق" وتقول "نعمت الأخلاقُ الفضائل وبئست الانحرافاتُ الرَّذائلُ" ومن ذلك قول الشاعر:
نعمتْ جزاء المتَّقين الجنَّة ... دارُ الأمانِي والمُنَى والمِنَّة١
رابعا: الكلمتان "هاتِ، تعالَ" من أفعال الأمر -في أحسن الآراء- إذ تقبلان علامة فعل الأمر وهي الدلالة على الطلب مع قبول ياء المخاطبة، وتقول الطالبة لزميلتها "تَعَالَيْ إليَّ اليومَ وهاتِي معكِ المحاضراتِ والمراجع".
_________
١ الأمانيّ: جمع أمنيّة -بتشديد الياء فيهما- والأمنية والمنى بمعنى واحد هو الرغبة الشديدة. المنة: العطية والهبة، فالجنة موضع الرغبة من الناس، وهي هبة من الله للناس.
وفي البيت دليل على أن كلمة "نعم" فعل ماضٍ لقبولها تاء التأنيث الساكنة في "نعمت".
1 / 13
ومن ذلك قول امرئ القيس:
إذا قلتُ هاتِي نَوِّليني تمايَلَتْ ... عليَّ هَضِيمَ الكَشْحِ رِيَّا المخلخل١
قال ابن هشام:
والعامة تقول: "تعالِي" بكسر اللام، وعليه قول بعض المحدثين: "أبو فِرَاس يخاطب حمامة":
أيا جارتَا ما أنصفَ الدَّهرُ بيننا ... تعالِي أقاسِمْك الهمومَ تعالِي٢
والصواب الفتح، كما يقال: "اخْشَيْ واسعيْ" ا. هـ.
معنى الكلام:
لاحظ الأمثلة الآتية:
الغِنى عفَّةُ النَّفس عما في أيدي الناس كلام
_________
١ هضيم الكشح: نحيلة الخصر. ريا المخلخل: ممتلئة الساقين.
الشاهد في البيت: أن كلمة "هات" فعل أمر، إذ دلت على الطلب وقبلت ياء المخاطبة، فاستخدمها الشاعر "هاتي".
٢ ورد هذا البيت ضمن مقطوعة شعرية لأبي فراس الحمداني، أولها قوله:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا لو تعلمين بحالي
وأبو فراس -في رأي النحاة- لا يحتج بشعره، وإنما جاء البيت للتمثيل به فقط، وموضع التمثيل: أن ابن هشام يرى أن أبا فراس قد استخدم نطق العامة إذ جاء بالفعل "تعالي" مكسور اللام حين إسناده لياء المخاطبة.
والذي أراه أن أبا فراس لم يستخدم لغة العامة، وإنما كسرت اللام في الكلمة الأولى بتحريف الرواية، وفي الكلمة الأخيرة من أجل القافية، إذ إن اللام فيها مكسورة.
هذا. وقد نقل عن أهل الحجاز أنهم ينطقون اللام مكسورة في هذا الفعل حين إسناده لياء المخاطبة.
1 / 14
إذا استغنيت عما في أيدي الناس فأنت أغنى الناس. "كلام".
إذا تطلعت لما في أيدى الناس..... "كلام".
ينبغي أن نتذكر مرة أخرى هنا ما قلناه تمهيدًا لمعرفة "الكلمة" عن "اللفظ، القول" من أن "اللفظ" هو النطق المشتمل على بعض الحروف سواء أكان له معنى أم لم يكن، وأن "القول" هو النطق الدال على معنى فقط فلنصطحب مفهوم هاتين الكلمتين ابتداء قبل تحديد المقصود من الكلام.
جاء في ابن عقيل: الكلام المصطلح عليه عند النحاة عبارة عن "اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها" ا. هـ.
وجاء في شذور الذهب "الكلام: قول مفيد" ا. هـ.
ومن البيّن أن هذين التعريفين متساويان تمامًا، فإن "اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها" في الأول تساوي تمامًا "القول المفيد" في الثاني وتوضيح الأمر في ذلك أن "الكلام" في عرف النحاة هو ما توافرت له الصفات الآتية مجتمعة:
١- النطق: لأن النطق هو أساس دراسة النحو، فلا شأن للنحو إذن بالكلام النفسي الذى يدور في خواطر الإنسان دون أن تنطقه الشفاه فعلا كما قال الأخطل:
إن الكلامَ لَفِي الفؤاد وإنَّما ... جُعِل اللِّسان على الفؤاد دليلًا١
فالنحو لا شأن له بكلام الفؤاد، وإنما يوجه همَّه لما نطقه اللسان فقط
_________
١ تضمن بيت الأخطل إطلاق الكلام على ما يتصوره الإنسان في نفسه من المعاني، وأن اللسان ترجمان النفس.
ولا شأن للنحو بكلام النفس، وإنما شأنه بما نطق به اللسان.
1 / 15
كما أنه لا شأن للنحو بالكلام الذي يفهم من الخط وحده دون أن ينطق وهو ما يفهم من النظر بالعين دون نطق اللسان، كقول العرب "القلمُ أحدُ اللِّسانين" وتسميتنا ما في المصحف "كلام الله".
كما أنه لا شأن للنحو أيضًا بالكلام الذي يفهم من الإشارة، أي بحركات العين أو اليدين أو الرأس أو غيرهما من أجزاء الجسم، وكذلك إضاءة علامات المرور باللون الأحمر أو الأخضر، فكل ذلك وإن كان يشير إلى كلام يفهم منه، كما قال عمر بن أبي ربيعة:
أشارتْ بطرْف العينِ خيفةَ أهلها ... إشارةَ محزونٍ ولمْ تَتَكَلَّمِ١
فأيقنتُ أن الطَّرْفَ قد قال مرحبًا ... وأهلا وسهلًا بالحبيبِ المُتَيَّم
لكنه كلام غير منطوق، ولذلك لا يدخل في الكلام الذي يعترف به النحو.
كما أنه لا شأن للنحو بالكلام الذي تدل عليه الحال، وفي الدلالة التي تفهم من المشهد دون نطق، كأن تنظر إلى مستشفى فتعرف أن "هنا مرضى" أو أن تمر على الجامعة، فتدلك على أن "حضارة الأمة تصنع هنا" وكما قال نصيب بن رباح يمدح سليمان بن عبد الملك:
فعاجُوا فأثْنَوا بالذي أنت أهلُه ... ولو سكتوا أثنتْ عليك الحقائب٢
_________
١ تضمن البيتان إشارة بطرف العين دون نطق، وقد فهم من هذه الإشارة -كما قال ابن أبي ربيعة- مرحبا وأهلا وسهلا.
لكن هذا الفهم من الإشارة لا يعتد به في الكلام المصطلح عليه لدى النحاة لأنه ليس نطقا.
٢ عاجوا: انعطفوا ومالوا، أثنوا: الثناء: ذكر الخير.
1 / 16
"فثناء الحقائب" دلالة حال، لكنه ليس نطقا، فهو خارج عن مصطلح النحو في الكلام.
ب- أن يكون لهذا المنطوق معنى يفهم منه، فلا شأن لنا بالهراء اللغوي الذي لا معنى له.
ج- أن يكون هذا المنطوق مفيدا فائدة يحسن السكوت عليها، وذلك أن يتم بها معنى متكامل يتكون منه ومن أمثاله الفكرة أو الموضوع الذي يريد المتكلم نقله إلى السامع.
وبهذه الصفة الأخيرة يفرق بين الكلام وما يسمى "الكلم" -بفتح الكاف وكسر اللام- فإن هذا الأخير يطلق على ما تكون من ثلاث كلمات فأكثر، أفاد أم لم يفد، فلنتأمل الآتي:
- قولنا "الصحافةُ لسانُ الأمة" كلام، وهو في الوقت نفسه كلم.
- قولنا "الصحافة رسالة" كلام، لكن ليس كلمًا، لنقصه عن ثلاث كلمات.
- قولنا "إذا تحررت الصحافة" كلم، لكنه غير كلام لأنه غير مفيد، ولا شأن للنحو بدراسة "الكلم" وإنما شأنه أن يدرس "الكلام" سواء صح أن يطلق عليه أنه "كلم" أم لا.
صور الكلام:
ورد في بعض كتب النحو تقسيم الكلام إلى "خبر، إنشاء" فالأول مثل قولنا "صدرت الصحفُ اليومَ وهي تحملُ أنباء مثيرة" والثاني مثل "هل نشرت الصحف الخبر اليوم؟! ".
1 / 17
والحق أن هذا التقسيم بلاغي لا شأن للنحو به، وإنما هو من اهتمام دارسي الأدب، أما الصور التي يتكون منها الكلام -كما فهم فيما سبق- فإنها تنحصر في أمرين:
الجملة الاسمية: وهي ما تكونت من اسمين أسند أحدهما للآخر لإفادة المعنى، مثل "العلمُ حضارةٌ، والجهلُ تخلفٌ".
الجملة الفعلية: وهي ما تكونت من فعل واسم بحيث يتم بهما المعنى مثل "يصنعُ العلماءُ حضارة الأمة ويُعَوِّقُ الجُهَّالُ تقدمها".
هذا، ويتفرع على هذين الركنين الأساسيين للكلام صور كثيرة بدخول الحروف معهما، وكذلك في اختلاف الأسماء بين الجامدة والمشتقة وأيضا في اختلاف صور الأفعال بين الماضي والمضارع والأمر، وأيضا في وجود الفضلات -كالمفعول به وأمثاله- مع هذه الجمل، وأيضا دخول حروف الشرط -الجازمة وغير الجازمة- عليهما.
ومن أجل ذلك كله يمكن أن يتصور أن صور الكلام الذي تنطق به العربية لا يكاد يحيط به الحصر، وإن كان الأمر كله يرجع إلى الجملتين الاسمية والفعلية.
وخلاصة هذا الموضوع كله ونتيجته تتلخصان في الآتي:
أ- وحدة الجملة العربية هي "الكلمة" بمفهومها السابق تحديده.
ب- وحدة اللغة العربية هي "الكلام" بمفهومه السابق تحديده أو بعبارة أقرب: الجملتان الاسمية والفعلية.
ج- موضوع دراسة النحو العربي هو الجملتان الاسمية والفعلية وما يتعلق بكلتا الجملتين.
1 / 18
الإعراب والبناء
الإعراب
مدخل
...
الإعراب والبناء:
أولا: الإعراب
تمهيد:
يحدد معنى الإعراب عبارة واحدة هي: "أثر ظاهر أو مقدَّر يجليه العامل في آخر الكلمة" ا. هـ قطر الندى.
يقول شوقي:
وللحرِّيَّةِ الحمراءِ بابٌ ... بكلّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ
فكلمات هذا البيت جميعا "الحرّيّة، الحمراء، كل، يد، مضرجة، يُدق" معربة، والإعراب في آخر الكلمات "الحريةِ، الحمراءِ، كلِّ، يدٍ، مضرجةٍ" -كما وردت في البيت- هو الكسرة التي هي شكل آخرها أما الإعراب في آخر الكلمتين "باب، يدق" -كما وردتا في البيت أيضا- فهو الضمة، والأولى اسم، والثانية فعل مضارع ...
وينبغي قبل دراسة ما يتعلق بهذا الباب عرض التعليقات الآتية حول التعريف السابق:
أولا: أن الإعراب يقصد به شكل أواخر الكلمات فقط، فهو في قول "شوقي" السابق ضمة الباء في "بابٌ" وضمة القاف في "يدقُّ" وكسر التاء في كلمة "الحريةِ" والهمزة في "الحمراءِ" واللام في "كلِّ" والدال في "يدٍ" والتاء في "مضرجةٍ" أما بقية حروف الكلمة -غير الآخر- مما يطلق عليه علميًّا اسم "بقية الكلمة" فلا شأن للنحو بالبحث فيه، وإنما هو من اختصاص علم آخر هو "علم الصرف".
1 / 19