قد سئمت الخير الذي يعمله الأتقياء ابتغاء مرضاة الله، قد سئمت الإحسان الذي يتخذه بعضهم مهنة للارتزاق. فما أكثر مثل هؤلاء المحسنين في العالم وما أقل الإحسان الحقيقي، الخالص من كل ريب الصافي من كل عيب. قبل أن تكون محسنا يا هذا أحسن سلوكك وآدابك. قبل أن تعمل مقدار ذرة من الخير كن أنت من بنيه.
هناك امرؤ أحسن من المحسن وهو الذي يعيش لنفسه حياة صالحة صافية، هو الذي لا يعرف الخير عندما يصنعه، هو الذي لا يبتغي مرضاة الله ولا مرضاة الناس ولا الشهرة ولا المجد من بره وإحسانه. عد إلى كتب العرب واقرأ فيها قصة عكرمة الفياض يا سيدي الأمير، ولا تنس أن تقرأ أيضا قصة عمر بن الخطاب والعجوز، ومتى حملتك الحمية والغيرة إلى الإحسان فاعمله ليلا وسرا؛ كي لا يراك أحد من الناس فيشوه برك بمديحه وإطرائه، أنقذ الغريق والبس ثيابك وامش، فإن اللذة في العمل لا في النتيجة. •••
كلنا في هذا المجتمع الإنساني ضائعون، كل منا كالولد التائه في الغاب يغني على ليلاه لينسى خوفه وشجاه. لكل منا نغمة يترنم بها فتنسيه نوعا حقيقة حاله، تشغله قليلا عن نفسه، كلنا - بكلمة أوضح - مستعبدون للعرض بعيدون عن الجوهر، كلنا نعيش للمنقول لا للمعقول للمصطلح عليه لا للأصلح منه، الطف اللهم بعبادك.
من أجل ما قرأته في الكتب المقدسة فاتحة القرآن، فهي صلاة جديرة بأن يرددها بقلب حي كل إنسان كل يوم في السنة.
إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم
أي والله، فإن الإنسان وإن كان من أرقى البريطانيين أو من أرقى العثمانيين، إن كان من باريس أو من نويرك، أو من أطنه أو من داهومي؛ هو في أشد حاجة إلى الهداية اليوم مما كان في أيام النبي داود، أو في عهد عاد وثمود. •••
إن من يكتفي بمسحة من العلم والحكمة كمن يكتفي بغسل وجهه إذا دخل الحمام. وليس بالأمر الصعب على مثل هذا أن يفوز بقصب السبق إما في الثقالة وإما في الرعونة، وإذا ركب إلى غرضه فرس سيبويه يعود وفي يديه القصبتين، فنقرأ إذ نراه التعويذتين! •••
قل: تبارك السر الذي في ولا تحفل بضجيج الناس وضوضى الأمم، عش قنوعا هادئا ساكتا معتزلا وواظب على نظافة العقل والقلب كما تواظب على نظافة الجسد فلا تكن من الخاسرين، تلاه في العمل والنمو عن عقبات الحياة وهمومها، وبكلمة وجيزة كن مثمرا ولو بين القتاد، فلا تحزن يوم يجيئك ملك الحصاد.
لا يختلف اثنان في أن الأولاد يطلبون الأشياء دون أن يدركوها فيلحون ويلبطون ويصرخون وهم لا يعقلون، ومن الرجال الراشدين من هم أيضا كالأولاد فيطلبون ما لا يدركون من الأشياء ويصرون على أمورهم ويلبطون على طريقتهم الخاصة، إما بالأيدي وإما بالأرجل وإما باللسان. وهم أيضا لا يعقلون، تراهم يروحون ويجيئون دون أن يعرفوا من أين وإلى أين، ويركضون ويضجون وهم كالأولاد لأحكام الحلاوى والقضيب خاضعون. هذه خزانة الكعك والحلواء التي يعرفها الأولاد وهذه العصا التي لا يجهلون طعمها إذا هم أكثروا من الرواح والمجيء إلى الخزانة. وكم أناس لو كسرت الحكومة عصاها يموتوت أمام خزانة اللذات شهداء الأهواء والشهوات، كم أناس يسرقون الخبيص ويكبرون على البوليص، أعوذ بالرب الجبار، من الصبيان الكبار. •••
العواصف تقوي العواطف وتثيرها، فالنبت الذي تلويه الأهوية وتطويه يكون أشد من ذاك الذي ينمو وينور في بيوت الزجاج. •••
ناپیژندل شوی مخ