بخده لفؤادي نسبة عجب
كلاهما أبدا يدمي من النظر •••
أخشى عليك الفيض من أدمعي
وأنت في عيني كما تدري
فحقا إن صديقي الأندلسي كثير الدموع وكنت أود أن أنقل للقارئ غير هذه الأبيات أيضا، ولكنني أكتفي بالإشارة الآن إلى أبياته الجميلة عن الربيع وقصيدته المشهورة بمطلعها - سل في الظلام أخاك البدر عن سهري.
الثورة الإفرنسية1
لو قصد المؤرخ أن يطالع كل ما كتب عن الثورة الإفرنسية في اللغتين الإفرنسية والإنكليزية فقط لصرف زمانه كله في المطالعة، بل إنه يموت دون أن يتمم هذا العمل الخطير غير المفيد، وقد انقسم مؤرخو الثورة إلى قسمين فمنهم من تحرى سرد الحوادث دون تحزب وتحيز، ومنهم من ألحق بكل حادثة نتفا من فلسفته السياسية الخصوصية، فندد بحزب ونصر آخر وكان إما ملكيا أو جمهوريا.
أما كارليل الكاتب الإنكليزي الشهير فقد حاد عن الخطين في كتابه المسمى «تاريخ الثورة الإفرنسية» فهو لا يطرئ الجمهوريين كهيوغو ولا يندد بهم كتيارس ولا يتحامل على الملكية بانتقاده أكثر مما لو كانت حكومة جمهورية. بل أراد في تاريخه هذا أن يكون خالي الغرض غير متحيز لحزب من الأحزاب. ولكن نيته هذه الحميدة أوقعته في الفتور الذي لا يسلم فيه صاحبه من عدم الاكتراث والشك، ومن كلف نفسه قراءة شيء من تآليف كارليل العديدة يبان له بعد قليل من التفكر أن الرجل عصبي المزاج أسير السويداء والتخمة، وقد كان مصابا بداء آخر أهم من الاثنين لا فائدة من ذكره في هذا الصدد، وأن نتيجة هذه العوارض الخبيثة تنجلي دائما في كتاباته في شكل من التهكم فظيع والكتاب الذي نحن بصدده الآن مفعم بمثل هذا الازدراء والسخرية. ومعلوم عند الناقدين أن هذا الأسلوب لا يليق في سرد التاريخ فهو كثيرا ما يشوش المعنى الحقيقي، ويجعل القصة البسيطة متشعبة متلونة غامضة لا يستطيع القارئ فهمها دون أن يجردها من ثوبها المزخرف الكثير الألوان.
ليس من العدل إذا أن يدعى هذا التأليف تاريخا؛ فهو خال من الاعتقاد والرأي في الحوادث التي يسبرها، ومفعم بوساوس الفيلسوف العديدة التي تروقنا في بقية مؤلفاته وتزعجنا في كتاب دعاه تاريخا. كتاب يفتقر إلى روح جدية لترفعه من طبقة الخلقيات إلى طبقة العقليات، ولا نقدر أن ندعو الكتاب رواية؛ لأن فصوله غير متصلة بعضها ببعض إذ نقرأ كل فصل بذاته ولا تتولد فينا رغبة معرفة السابق واللاحق.
فالكتاب إذا مجموع مقالات متفرقة في حوادث الثورة الإفرنسية ورجالها، مسطرة على قرطاس الفتور والشك بيراعة التهكم والازدراء، ولا رأي خصوصي له في تلك الحوادث وأولئك الزعماء سوى أنه ينصر تارة الكل وطورا يقاوم الكل، وهذه هي المزية التي خدعت الناقدين في زمن كارليل فأنزلوا كتابه هذا منزلة التاريخ في الوقت الذي يجب أن يعد في كتب الخلقيات والوصف، كيف لا ومزاج المؤلف العصبي ظاهر في كل صفحة من الكتاب، فهو يقيس كل حادثة ويحكم على كل فرد له علاقة في هذه الفتنة الهائلة بمقتضى هذا المزاج المركب من السويداء والتخمة والتهكم.
ناپیژندل شوی مخ