عرفتني فقامت تلاقيني، وفي خطواتها وهن وارتجاف
جلسنا على صخرة، في ظل تينة هرمة، يغرد في أفنانها الحسون، ويداعب حولها الفراش الأقاحي، وينثر تحتها الهواء حرير زهر القرقفان
وخيم علينا السكون، وسارعت إلينا الهواجس والظنون - ظننتك سعيدة يا أمي - خلتك تعلم يا بني - أصدقيني الخبر يا أمي - لا تسأل سؤالا قد يحزنك جوابه - هل أنت تعبدين ذلك الإله الفظيع؟ - اسأل الخادم في البيت - وهل هو أعلم منك بما في فؤادك؟
فابتسمت هزءا وقالت: هو عالم بكل شيء - وهل في ذاك الإله الوحشي الفظيع ما يعزيك يا أمي، أو يفيدك، أو ينعش أملا واحدا من آمالك؟ - اسأل إخوانك، أبنائي، أولئك الذين لا يخافون لا خادم الهيكل ولا الخادم في البيت - وهل أنت راضية عنهم يا أمي؟
فأطرقت ثم قالت: وهل تظنني راضية عنك يا بني
ثم نظرت إلي وكأنها تجيب على سؤال أفصحت عنه عيناي: ذنبك الأول الهجر، وذنبك الثاني العود إلي - أفلا تسرك إذا عودتي؟ - وما الذي جئتني به، بعد هجر طويل، من البلدان التي سحت فيها؟ - جئتك بسكينة الدهناء والنفود، تلك التي تملأ النفس ورعا وخشوعا، فتزيل منها الهواجس كلها والهموم - لا تنفعني يا بني، لا تنفعني - جئتك بقناعة البدوي ومروءته، بشجاعة البدوي وحريته، باستقلال البدوي واطمئنانه - لا تنفعني يا بني، لا تنفعني - جئتك بالشمم العربي والإباء، بالشهامة العربية والوفاء، ببساطة العيش وكرم الأخلاق، بالجرأة والبطولة في الشدة وفي الرخاء - لا تنفعني يا بني، لا تنفعني - جئتك يا أمي، بفكرة سامية من المدن الأوروبية - العمل الصالح أصح الأديان - وجئتك كذلك بحرية الإفرنسي في ثورته، وبنشاط الأميركي في عمله، وبإيمان الأحرار أجمعين بالحياة وبالناس - لا تنفعني يا بني، لا تنفعني - وماذا تبغين يا أمي، يا روح الأمة التاعسة الحزينة، ماذا تبغين - رءوس الإله الذي رأته عيناك - إله التفرقة والتعصب والشقاق - لا أبتغي اليوم سواها •••
بعد برهة من الزمان، وأنا عائد من الوادي، التقيت في الطريق بخادم البيت وخادم الهيكل، بذاك الذي يحترم معابد الناس وذاك الذي يرتزق منها. وكلاهما حامل عصاة يتوكأ عليها
فقلت - بعد أن سلمت: ما الخبر؟
فقال خادم البيت: إلهكم مات
وقال خادم الهيكل: والويل للقتلة الكافرين
ناپیژندل شوی مخ