أدهشني هذا التفسير من سيدي الشيخ ولكنه لم يقنعني؛ فإذا سلمنا بدقائق لغوياته كيف يمكننا أن نسلم بأن الشمس تجري وهي مستقرة في مكانها؟ ولكننا إذا رفضنا قول النبي في طبيعة الشمس وناموسها - ولا لوم عليه في ذلك؛ لأن الخطأ هذا كان عاما في ذلك الزمان - فلا نرفض ما سمي من نظرياته الروحية والأدبية، ومن شرائعه الاجتماعية التي تنافي ناموس التطور والارتقاء.
مثال آخر من هذه التفاسير التي لا أبرئ الغزالي منها.
فقد كتب إلي صديقي الشيخ يقول أيضا: إن القرآن الكريم يشير إلى بدء خلق الإنسان وعلم الحياة بقوله تعالى:
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
وقد فاته أن هذا الوصف ينطبق على خلق الحيوان أكثر منه على خلق الإنسان؛ لأن أهم ما امتاز به الإنسان إنما هو العقل والروح والضمير، وقد أغفلت كلها في الآية، وأن ما فيها من وصف لخلق الإنسان لا ينطبق لا على سنن العلم ولا على سنن الدين، «خلقناه من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين» تعالى الله عن مثل هذه السمادير والرطانات، ثم قال شيخي الفاضل: ويشير إلى علم طبقات الأرض في قوله:
سبع سماوات ومن الأرض مثلهن
فإذا حصرنا كل سماء من سماوات الكتاب في سيارة من السيارات وفلكها؛ بان لنا أن عين النبي لم تر غير القليل من سماوات الله، فإن علم الفلك يبرهن ويحقق أنها لا تعد ولا تحد، وأن أكبرها أصغرها في نظرنا وأبعدها منا.
وغني عن البيان أن للكتب المقدسة كلها تقاسيم وشروحات زادت غموضها غموضا وألقت بين الناس الفتن، «أودعتهم أفانين العداوات.»
5
والغزالي والقديس أغسطينوس من كبار الأساتذة في علم الكلام الذي هو مصدر كل هذه التفاسير والشروحات، على أن روحانياتهما الصافية المجيدة لتشفع بما جاءا به من سمادير التفسير. ومن الغريب أنهما يتشابهان في كثير من طباعهما وأطوار حياتهما، فالغزالي مثل القديس أغسطينوس كان في أيام حداثته في ضلال مبين على ما يقول، فقد جاء في كتابه «درر القرآن» هذا الكلام الجميل في فئة من الناس. «لم يدركوا أشياء من عالم الأرواح بالذوق إدراك الخواص ولا هم آمنوا بالغيب إيمان العوام، فأهلكتهم كياستهم، والجهل أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء وكياسة ناقصة، ولسنا نستبعد ذلك، فقد تعثرنا بأذيال هذه الضلالات مدة؛ لشؤم أقران السوء وصحبتهم حتى أبعدنا الله عن هفواتنا ووقانا من ورطاتها.»
ناپیژندل شوی مخ