وتجلى الحق تعالى على سليمان، وقال: اطلب منى ما تريد أمنحك إياه؟، فقال سليمان: لقد أحسنت إلى أبى وأجلستنى على العرش مكانه، وهؤلاء القوم كثيرون جدا ولا حصر لهم، وما أريده من الحضرة أن تهبنى العقل والعلم، حتى أذكر عظمتك بذلك الحدث لهؤلاء القوم، فقال الحق تعالى: طالما أنك لم تلتمس منى المال والعمر والنصر على العدو، وطلبت العقل والعلم حتى تنشر العدل بذلك بين خلقى، فقد وهبتك كليهما، وأضفت لهما المال والمهابة التى لم تكن لأى ملك قبلك ولا بعدك.
ولما وجد هذه العناية وهذا التفضل من الحضرة الإلهية، رجع وتولى حكم بنى إسرائيل، وكان أول حكم حكمه أن امرأتين كانتا مقيمتان فى منزل واحد، واتفق أن حضرتهما الولادة، فجاء لكل واحدة ولد، ولم يكن فى هذا البيت أحد سواهما، وفى اليوم الثالث توفى ولد إحداهما، فأخذت ولدها الميت فى الوقت الذى كانت فيه المرأة الأخرى نائمة، فوضعته بجانبها وأخذت وليدها الحى، وفى الفجر نظرت المرأة إلى ولدها فوجدته ميتا، فحزنت حزنا شديدا، ومن شدة الحزن لم تنظر إلى الوليد، ثم صار معلوما لها أن هذا الولد ليس ولدها، ونظرت إلى الولد الآخر فعرفته، فصاحت ووضعت يدها عليه قائلة: هذا ولدى!، فنازعتها المرأة الأخرى فيه قائلة: لا، إنه ابنى، وتوجهتا إلى سليمان بسبب هذا النزاع لطلب الإنصاف، وعرضتا قضيتهما أمام الأمراء والوزراء بالحضرة، فعجزوا جميعا عن الفصل فى هذا النزاع، فقامتا بعرضهما على حضرة سليمان، فقال: أحضروا سيفا، وطلب المرأتين مع ولديهما، وقال: اشطروا الطفل الميت شطرين، وأعطوا كل امرأة شطرا منه، وقسموا الطفل الحى كذلك بهذا الشكل.
فصرخت إحدى هاتين المرأتين قائلة: لا بحق الله، لا تقتلوا هذا الطفل الحى، وأعطوه لها حتى تذهب، وقالت تلك المرأة التى كانت قد صنعت الحيلة: لا، يجب أن تشطروا الاثنين إلى نصفين حتى يصلنى ويصلك نصيب من الاثنين كما أمر الملك، فأمر سليمان أن يعطوا هذا الولد الحى لهذه المرأة التى لا ترضى بقتله، فهى والدة الطفل الحى، وأعطوا الطفل الميت لهذه المرأة الأخرى، فبقى جملة الحاضرين فى دهشة وتعجبوا من هذا الحكم، وأقروا له بالعلم والعدل الملكى.
مخ ۲۶۹