الوزير عنفوان شبابه، وزهرة أيّامه، إلا أنه لم يقف منها موقف العاجز المسلّم، بل فحص وحقّق، وبحث ودقّق، حتى اتضحت له مناهج الصوب فسلكها، وانكشفت له سبل الباطل فزيّفها وردّها (١)، وذلك بعد رجوعه إلى الكتاب والسنة، فقد وجد فيهما الشّفاء كلّه: دقّه وجلّه.
قال ابن الوزير (٢) ﵀: «فإني ما زلت مشغوفًا بدرك الحقائق، مشغولًا بطلب المعارف، مؤثرًا الطلب لملازمة الأكابر، ومطالعة الدفاتر، والبحث عن حقائق مذاهب المخالفين، والتفتيش عن تلخيص أعذار الغالطين، محسّنًا في ذلك للنيّة، متحريًّا فيه لطريق السويّة، متضرّعًا إلى الله تضرّع مضطر محتار، غريق في بحار الأنظار، طريح في مهاوي الأفكار، قد وهبت أيام شبابي ولذّاتي، وزمان اكتسابي ونشاطي، لكدورة علم الكلام والجدال، والنظر في مقالات أهل الضلال، حتى عرفت صحّة قول من قال:
لقد طفت في تلك المعالم كلها ... وسيّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعًا كفّ حائر ... على ذقن أو قارعًا سنّ نادم (٣)
وسبب (٤) إيثاري لذلك، وسلوكي تلك المسالك: أنّ أول ما
_________
(١) انظر «ترجمة ابن الوزير»: (ق/٥ - ٦أ).
(٢) «العواصم»: (١/ ٢٠١ - ٢٠٢).
(٣) عارض الإمام الصنعاني هذين البيتين بقوله:
لعلّك أهملت الطّواف بمعهد الرّ ... سول ومن والاه من كلّ عالم
فمار حار من يهدي بهدي محمد ... ولست تراه قارعًا سنّ نادم
(٤) في «العواصم»: «وبسبب» وهو خطأ.
المقدمة / 12