قلت: بلى ولكن المحقوق بالاعتبار عندي ما قاله ابن الأثير في نهايته، ففحصه هنالك أضبط، وقوله أثبت؛ حيث يقول:
وفي حديث الدعاء: " رغبة ورهبة إليك " أعمل (1) لفظ " الرغبة " وحدها، ولو أعملهما معا، لقال: " رغبة إليك ورهبة منك " ولكن لما جمعهما في النظر قوى (2) أحدهما على الآخر، كقول الشاعر: " وزججن (3) الحواجب والعيونا ". وقول الآخر: " متقلدا سيفا ورمحا ". (4) والذي أجده أكثريا - في تعاطيات المتثقفين وتداولاتهم - أنه إذا كان المرهوب ما هو مخوف؛ لكونه من غير الملائمات، كالآلام، والفجائع، ومصادرها، ومبادئها، قيل للراهب: رهبه يرهبه رهبة - بالضم والفتح - ورهبانا كذلك.
وإذا كان من هو مخشي؛ لجلالته وعظمته وقهاريته وجباريته؛ ولشدة الوله والدهش من كبريائه وجبروته، وهو في عزه وعلاه محبوب قلب الراهب، ومعشوقه وبغيته ومبتغاه، قيل: رهب منه يرهب رهبا بالتحريك، ورهبة ورهبانا أيضا محركتين، ومن ذلك ما عدي بنفسه لا ب " من " فيما يروى عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):
أي يومي من الموت أفر * يوم ما قدر أم يوم قدر يوم ما قدر لا أرهبه * وإذا قدر لا ينجو الحذر (5) والرهبى والرهباء - بالضم مقصورة، وبالفتح ممدودة - من الرهبة كالرغبى والرغباء من الرغبة، والرغبة والرهبة لازمتان فيمن له غاية العظمة والجلال، ونهاية اللطف والجمال، بل لا يخلو جمال عن جلال، ولا جلال عن جمال.
مخ ۳۰