الأحكام الشرعية
الحكم الأول: هل النسخ جائز في الشرائع السماوية؟
قال الإمام الفخر: النسخ عندنا جائز عقلًا، واقع سمعًا، خلافًا لليهود، فإنّ منهم من أنكره عقلًا ومنهم من جوّزه عقلًا، لكنْ منع منه سمعًا، ويروى عن بعض المسلمين إنكار النسخ.
واحتج الجمهور: من المسلمين على جواز النسخ ووقوعه، أنّ الدلائل دلت على نبوة محمد ﷺ َ ونبوّتُه لا تصح إلا مع القول بنسخ شرع من قبله، فوجب القطع بالنسخ.
وأما الوقوع فقد حصل النسخ في الشرائع السابقة، وفي نفس شريعة اليهود، فإنه جاء في التوراة أن آدم ﵇ أمر بتزويج بناته من بنيه، وقد حرم ذلك باتفاق.
قال الجصاص في تفسيره «أحكام القرآن»: (زعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقة، أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد ﷺ َ، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإنما المراد به نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين، كالسبت، والصلاة إلى المشرق والمغرب، قال لأن نبينا ﵇ آخر الأنبياء، وشريعته باقية البتة إلى أن تقوم الساعة، وقد بعد هذا القائل من التوفيق بإظهار هذه المقالة، إذ لم يسبقه إليها أحد، بل قد عقلت الأمة سلفُها وخلفها من دين الله وشريعته نسخ كثير من شرائعه، ونقل ذلك إلينا نقلًا لا يرتابون به، ولا يجيزون فيه التأويل، وقد ارتكب هذا الرجل في الآي المنسوخة والناسخة وفي أحكامها أمورًا خرج بها عن أقاويل الأمة، مع تعسف المعاني واستكراهها، وأكثر