فزوال العدالة بالكبيرة حقيقي، وعودها بالتوبة تعبدي، بل سيجئ (1) أن الندم على المعصية عقيب صدورها، يعيد الحالة السابقة وهي الملكة المتصفة بالمنع، إذ لا فرق حقيقة بين من تمنعه ملكته عن ارتكاب المعصية وبين من توجب عليه تلك الملكة الندم على ما مضى منه، فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعلا، لأن الشخص حين الندم على المعصية، من حيث إنها معصية - كما هو معنى التوبة - يمتنع صدور المعصية منه، فالشخص النادم متصف بالملكة المانعة فعلا، بخلاف من لم يندم، فتأمل.
ما أورد على القول بالملكة ثالثا ومنها: أن ما اشتهر بينهم أن تقديم الجارح على المعدل - عند التعارض - لا يتأتى إلا على القول بأن العدالة هي (حسن الظاهر) وأما على القول بأنه (الملكة) فلا يتجه، لأن المعدل إنما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة والاختبار، أو بعد الجهد في تتبع الآثار، فيبعد صدور الخطأ منه، ويرشد إلى ذلك تعليلهم تقديم الجرح بأنا إذا؟ أخذنا بقول الجارح فقد صدقناه وصدقنا المعدل، لأنه لا مانع من وقوع ما يوجب الجرح والتعديل بأن يكون كل منهما اطلع على ما يوجب أحدهما، وأنت خبير بأن المعدل - على القول بالملكة - إنما يخبر عن علم بالملكة وما هو عليه في نفس الأمر والواقع، ففي تقديم الجرح حينئذ وتصديقهما معا جمع بين النقيضين، فتأمل.
والجواب أن عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا على ما تقدم (2) إما لكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، وإما لأخذه في العدالة بدليل الاجماع والنص، كيف! ولو لم يكن مأخوذة لم يكن الجارح معارضا له أصلا.
وكيف كان: فاعتماد المعدل على هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقق
مخ ۳۱