إني لأعجب ممن كان يصحبنا
ما كان أكثرهم إلا يراءونا
لم ندر حتى انقضت عنا إمارتنا
من كان ينصحنا أو كان يغوينا
من كان ينصفنا ما كان يصحبنا
إلا ليخدعنا عما بأيدينا
وقال في الصفة والتفضل: لا يكن من وصلك أحق بصلتك منك بصلته، ولا من تفضل أولى بالتفضل منك عليه؛ فإنما أنت وهو كرجلين ابتدرا أكرومة فقصر أحدهما وبلغ الآخر؛ فإنما القاصر قصر على حظ نفسه، وأما البالغ فبلغ بجميل أمره وعظيم قدره.
وقال في القدر: إذا كان الرجل لبيبا فاعلم أنه كامل، ولكن لن يقدمه ذلك إلى ما كان يطلب، ولن يؤخره عما كان يحاذر إلا بقدر يلحق به ما طلب ويسبق به ما يحذر، وإن من الناس من يؤتى منطقا وعقلا ولا يؤتى مالا، ومنهم من يؤتى مالا ولا يؤتى غيره، فيحتاج مع ماله إلى عقل ذي العقل ومنطقه، ويحتاج ذو العقل إلى مال ذي المال ورفده وينهض هذا بهذا وهذا بهذا، فليس لأحدهما إذن غنى عن الآخر، فأحوج الملك إلى السوقة وأحوجت السوقة إلى الملك.
وقال في التفاضل: لا تقل فلان أغنى مني، وأنا أعز منه؛ فإنه لو جمع العقل والشدة والشجاعة والمال وأشباه ذلك لقوم وبقي قوم لا شيء لهم لهلكوا، ولكن الله - عز وجل - قال:
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات (الزخرف: 32) فأوتي بعضهم عقلا وبعضهم قوة، وبعضهم مالا مع أشياء مما يكون فيه صلاحهم وبه معايشهم، ثم أحوج بعضهم إلى بعض فعاشوا، وإنما مثل الرجل ورزقه ومثل عقله وأدبه ومروءته وحكمه، كمثل الرامي ورميته، فلا بد للرامي من سهم، ولا بد لسهمه من قوس، ولا بد لقوسه من وتر، ولا بد لجميع ذلك من قدر يبلغ به ما رشق ويصيب به ما يبلغ ويحوز به ما أصاب، وإلا فلا شيء فالرامي الرجل والرمية الرزق، ولا يجمع بينهما عقل ولا عز ولا شيء من ذلك إلا بقدر، وفي ذلك أقول شعرا:
ناپیژندل شوی مخ