وقال: كن من الكريم على حذر إن أهنته، ومن اللئيم إن أكرمته، ومن العاقل إن أحرجته، ومن الأحمق إن مازحته، ومن الفاجر إن عاشرته، ولا تدل من لا يحتمل إدلالك، ولا تقبل على من لا يحب إقبالك، وكن حذرا كأنك غر، وكن ذاكرا كأنك ناس ، والزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم؛ فما أكثر من يندم إذا نطق وأقل من يندم إذا لم ينطق. وإذا ابتليت فعند ذلك تعرف جودة منطقك، وقلة زللك، وسعة عفوك، وقلة حيلتك، ومنفعة قوتك، وحسن تخلصك.
واعلم أن بعض القول أغمض من بعض، وبعضه أبين من بعض، وبعضه أخشن من بعض، وبعضه ألين من بعض، وإن كان واحدا فإن الكلمة اللينة لتلين من القلوب ما هو أخشن من الحديد، وإن الكلمة الخشنة لتخشن من القلوب ما هو ألين من الحرير، وإن أعظم الناس بلاء وأدومهم عناء وأطولهم شقاء من ابتلي بلسان مطلق، وفؤاد مطبق؛ فهو لا يحسن أن ينطق، ولا يقدر أن يسكت.
واعلم أن ليس يحسن أن تجيب من لا يسألك، ولا تسأل من لا يجيبك، وفي ذلك أقول شعرا:
لا خير في حلم إذا لم يكن له
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
وقال في الرفق بالدواب: إن رفق الرجل بدوابه وحسن تعاهده وقيامه عليها؛ عمل من أعمال البر، وسبب من أسباب الغنى، ووجه من وجوه المروءة. وقال: التدبير مع المال القليل خير من المال الكثير مع سوء تدبير، وإنما المنفقون ثلاثة: جواد مبذر، وكريم مقدر، ولئيم مقتر، وفي ذلك أقول شعرا:
رب مال سينعم الناس فيه
وهو عن ربه قليل الغناء
ناپیژندل شوی مخ