وليس له أن يحسد ملوك الأمم إلا على حسن التدبير، وإصابة السياسة ومكارم الأخلاق، ولا ينبغي له أن يجبن عند وجوب الإقدام؛ فإن الشجاعة عز وهي من أهم شروط الملك.
زين الملك أن يحفظ نظام أوقاته المقدرة لأشغاله وركوبه وراحة بدنه، فتكون معينة لا تختلف؛ فإن في اختلافها خفة. وليس للملك أن يخف.
وينبغي أن يكون حذره لمن بعد عنه أكثر من حذره لمن قرب منه، وأن يتقي بطانة السوء أشد من اتقائه لعامة السوء.
ومن الناس صنف أظهروا الزهد في الجاه، ولم يتقربوا بالخدمة وادعوا التواضع، وهم قد أسروا التكبر واستدعوا إلى أنفسهم الجاه بوعظ الملوك، وقد ينفعهم ذلك عند المغفلين، فيقربون منهم من حسن ظاهره وتلطف، حتى اعتقد خواصهم تعظيمه، وإن كان ناقصا في عقله عبدا لشهواته متهافتا على الرئاسة؛ فإن أسكته الملك قيل قد استقل الموعظة، وإن أطلق لسانه قال بوعظه بين الملأ ما أفسد حال الدولة، فالرأي ألا يهمل الملك أمر هذه الطائفة؛ فإنهم أعداء الدول وآفات قوية على الملوك.
اعلموا أنه لا بد لكم من سخطة على بعض أنصاركم، ونصاحكم وأعوانكم، ولا بد من رضى يحدث لكم عن بعض أعدائكم المعروفين بالغش لكم، فإذا فعلتم ذلك فلا تنقبضوا عن المعروف بالنصيحة، ولا تسترسلوا إلى المعروف بالغش، وقد خلفت عليكم رأيي إذا لم أقدر على تخليف بدني، فاقضوا حقي بالتمسك بعهدي، والسلام على أهل الموافقة، ممن يأتي عليه هذا العهد من الأمم.
القسم العاشر
كتاب الأدب والمروءة
كتاب الأدب والمروءة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين ... قال صالح بن جناح: اعلم أن العرب قد تجعل للشيء الواحد أسماء، وتسمي بالشيء الواحد أشياء، فإذا سنح لك ذكر شيء فاذكره بأحسن أسمائه؛ فإن ذلك من المرءوة، وإنما المرء بمروءته، فالمروءة اجتناب الرجل ما يشينه، واجتناؤه ما يزينه، وأنه لا مروءة لمن لا أدب له، ولا أدب لمن لا عقل له، ولا عقل لمن ظن أن في عقله ما يغنيه ويكفيه عن غيره، وشتان ما بين عقل وافر معه خمسون عقلا، كلها وافر مثله وأوفر منه، ومن عقل وافر لا قادة معه، وفي ذلك أقول شعرا:
ناپیژندل شوی مخ