ومما يدلك على تعزز القوم في جاهليتهم وأنفتهم وشدة حميتهم، أن أبرويز ملك فارس وأشدها سطوة وإثخانا في البلاد خطب إلى النعمان بن المنذر، إحدى بناته فرده رغبة بها عنه، ولم يزل هاربا منه، حتى ظفر به فقتله.
وكان لقريش بيت الله الحرام العتيق من الجبابرة المنصور بالطير الأبابيل، لم يزالوا ولاته وسدنته والقائمين لأموره والمعظمين لشعاره. وكان يقال لهم أهل الله وجيران الله؛ لنزولهم الحرم وجوارهم البيت. وكان فيهم بقايا من الحنيفية يتوارثونها عن إسماعيل
صلى الله عليه وسلم
منها حج البيت الحرام وزيارته والختان والغسل، والطلاق والعتق وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والرضاع والصهر.
وقد كان حاجب بن زرارة وفد على كسرى، فرأى العجم ينكحون الأخوات والبنات فسولت له نفسه التأسي بهم، والدخول في ملتهم فنكح ابنته، ثم ندم على ذلك فقال:
لحا الله دينك من أغلف
يحل الأخوات لنا والبنات
أجشت على أسرتي سوءة
وطوقت جيدي بالمخزيات
وأبقيت في عنقي سبة
ناپیژندل شوی مخ