د غمونو پيغامونه: د جمال او مينې په فلسفه کې
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
ژانرونه
قال لي هذا الصديق يوما: إني بلغت أربعة عقود، ولكنها فيما عانيت كأنما تضاعفت إلى أربعين عقدا؛ وقد انتهيت من دهري إلى السن التي ينقلب فيها الآدمي من وفرة القوة ليثا، ويرجع من قوة الحكمة نبيا، ويعود من تمام العقل إنسانا، غير أن هذه الأربعين بما تعاورت علي قد هدم في بعضها بعضا؛ فإن أكن بناء فذلك صرح ممرد عمل فيه أربعون معولا فما أبقت حجرا على حجر؛ وإن أكن حومة فقد اعترك فيها للأقدار أربعون جيشا فما تؤرخ بنصر ولا هزيمة، يا ويلتا من هذه الدنيا، إن مصيبة كل رجل فيها حين يصير رجلا أنه كان فيها طفلا وما علم أنه كان طفلا.
تلك حياة الصديق وكانت ليلا طويلا انبسط عليه فنن من الظلام كأنه مورق بالسحب والغمائم السوداء لا ينقشع بعضها عن بعض حتى كأن صباحه مات فيها أربعين سنة، ثم انبعث آخرا من وجه فتاة أحبها فأشرق له من غرتها واستضاء عليه في وجهها، وطلعت شمس حبه من خديها حمراء في لون الورد؛ إذ امتزجت أشعتها بظلماته.
ويؤخذ من رسائله أن صاحبته كانت من قوة الجاذبية كأنها كوكب جذب منه كوكبا آخر، ومن فتنة الحسن كأنها رسالة إلهية إلى هذه الأرض، بل إليه وحده في هذه الأرض، أدارته هذه الحياة طويلا وأدارتها ليجيء موضعه إلى جانبها، فكأنما أدارت منه فلكا عاتيا لا يتزحزح إلا بعد دفعه أربعين سنة كاملة ...
رجل وامرأة كأنما كانا ذرتين متجاورتين في طينة الخلق الأزلية وخرجتا من يد الله معا، هي بروعتها ودلالها وسحرها وهو بأحزانه وقوته وفلسفته، فكان منهما شيء إلى شيء، كما توضع زجاجة الحبر الأسود إلى جانب يتيمة من الألماس أجيد نحتها وصقلها وتكسر على جوانبها شعاع الشمس؛ فإذا هي من كل جهة ثغر يتلألأ، وإذا بالزجاجة ولو على المجاز «ألماس أسود».
كانا في الحب جزأين من تاريخ واحد نشر منه ما نشر وطوى ما طواه، على أنها كانت له فيما أرى كملك الوحي للأنبياء، ورأى في وجهها من النور والصفاء ما جعلها بين عينيه وبين فلك المعاني السامية كمرآة المرصد السماوي؛ فكل ما في رسائله من البيان والإشراق هو نفسها، وكل ما فيها من ظلمات الحزن هو نفسه. •••
هدمت الأقدار هذا الصديق حتى انحط كل ما فيه من العزم والقوة فجاءت «هي» تبنيه وتشد منه وترمم بعض نواحيه المتداعية، وتقيمه بسحرها بناء جديدا وتحفت به عنايتها زمنا حتى صلح على ذلك شيئا فأيسرت روحه من فقرها إلى الجمال والحب، ويقول صديقي: «إنه ليس على الأرض من يشعر كيف ولدته أمه، ولكني رأيت بنفسي كيف ولدت تلك الحبيبة نفسي؛ مرت بيديها على أركاني المتهدمة وأعانتها الأقدار على إقامتي وبنائي، غير أن هذه الأقدار لم تدعها تبنيني إلا لتعود هي نفسها بعد ذلك فتهدمني مرة أخرى».
يصف حبيبته في هذه الرسائل كأنه مسحور بها فيجيء بكلام علوي مشرق كتسبيح الملائكة يمازجه أحيانا شيء يحار فيه الفهم؛ لأن أحدنا إنما يرسل فكره وراء قلمه، أما هو فيرسل نفسه وراء فكره ويستمد قلمه منهما، فمنزلته أن يكتب ثلاث كلمات ومنزلتنا أن نفهم كلمتين، والإنسان منا كاتب مفكر؛ أما هو فقد زاد بصاحبته فكان كاتبا مفكرا وملهما.
ومما لا أكاد أفهمه أنه يكتب كتابة محب أحياه الحب ومبغض قتله البغض؛ فإني لأعلم أن كل شيء حبيب ممن نحبه حتى البغض إذا كان يدل على حبه ولو دلالة خفية، بيد أن صاحبي يجفو جفاء شديدا فلعلها أنفة غلبت بها النفس على القلب فحولت الحب إلى جفاء والجفاء إلى غيظ والغيظ إلى مقت، وإنما المقت أول البغض وآخره. •••
يا صديقي المسكين لا يحزنك فإن آخر الحب آخر لأشياء كثيرة ... وإن من بين النساء نساء أولهن كالشباب وآخرهن من أشياء كالهرم والضجر والضعف والموت.
ويا جمال النساء إن كان في الأشياء ما هو أحسن وأجمل فإن في الأشياء ما هو أنفع وأجدى، وقد تكون الجدوى والمنفعة من الجمال في بغضه أحيانا أكثر مما تكون في حبه.
ناپیژندل شوی مخ