سمعت الباب السلكي يغلق، فلم تنظر، ثم رأت حذاء جدتها، وكاحليها النحيلين يتحركان نحوها فوق العشب. أمسكت بالعلجوم بإحدى يديها والتقطت باليد الأخرى عصا صغيرة، وبدأت تنخسه بوتيرة منتظمة في بطنه.
قالت الجدة: «توقفي عن هذا.» فرمت ماي العصا. قالت لها الجدة: «أفلتي هذا المخلوق البائس.» ففتحت ماي أصابعها ببطء شديد. وفي الوقت الذي يعقب الظهيرة مباشرة كانت ماي تستطيع أن تشم الرائحة المميزة المنبعثة من جسم جدتها التي كانت واقفة تراقبها؛ كانت رائحة مائلة إلى الحلاوة والعطب كرائحة قشر التفاح القديم الذي بات رخوا، وكانت تنفذ فتغطي على الروائح المعتادة أكثر للأشياء التي كانت تحملها معها دائما كالصابون الصلب والقماش القطني المكوي والتبغ. «أراهن بأنك لا تعرفين.» قالتها الجدة بصوت مرتفع. «أراهن بأنك لن تتوقعي ما كان يجول بخاطري في المتجر.» لم ترد ماي لكنها انحنت وبدأت تقشر في اهتمام قشرة جرح في ساقها. «كنت أفكر في بيع المتجر.» قالتها جدتها بنفس الصوت المرتفع الرتيب وكأنها تتحدث إلى شخص أصم أو إلى سلطة ما عليا. كانت واقفة تنظر إلى الأفق الأزرق الصنوبري غير المنتظم، تشد ميدعتها إلى الأسفل بيديها المنبسطتين في حركة من حركات النساء العجائز، وقالت: «أنا وأنت يمكننا أن نستقل القطار ونذهب لرؤية لويس.» كان لويس هو ابنها الذي يعيش في كاليفورنيا، والذي لم تره منذ نحو عشرين عاما.
عندئذ كان لا بد أن ترفع ماي عينيها لترى ما إذا كانت جدتها تمارس خدعة ما. فالمرأة العجوز كانت دائما تقول إن السائحين حمقى لاعتقادهم أن أي مكان أفضل من سواه وأنهم كانوا أفضل حالا في موطنهم.
استطردت الجدة: «يمكنا أنا وأنت أن نذهب في رحلة إلى الساحل، لن تكلفنا الكثير جدا، نستطيع أن نسهر ليالي ونصر بعض الطعام لنأخذه معنا. من الأفضل أن تصري طعامك بنفسك، فأنت أدرى بما سيكفيك.»
قالت ماي بفظاظة : «لكنك مسنة للغاية. أنت في الثامنة والسبعين.» «من في سني يسافرون إلى بلداتهم الأصلية في الأرياف وإلى كل مكان، اقرئي الجريدة لتعلمي.»
قالت ماي: «قد تصابين بأزمة قلبية.»
قالت المرأة العجوز: «حينئذ يمكنهم أن يضعوني في تلك السيارة التي ينقلون فيها الخضار، مع الخس والطماطم، ويشحنوني إلى بلدتي الأم مبردة.» في تلك الأثناء، كانت ماي تتخيل الساحل أمام عينيها؛ فرأت الرمال الممتدة مثل الشاطئ الطويل عند البحيرة ولكنه أكثر اتساعا وإشراقا؛ إن كلمة «الساحل» نفسها خلقت شعورا بالانتعاش والسرور في نفسها، ولكنها لم تصدقه، فلم تفهم ما يجري؛ فمتى حدث أن وعدتها جدتها بشيء جميل من قبل؟ •••
ثمة رجل كان واقفا عند واجهة المتجر يتناول مشروبا غازيا بطعم الليمون. كان رجلا صغير البنية في أواسط العمر ذا وجه ممتلئ تعلوه لمعة الحر؛ كان يرتدي قميصا أبيض، غير نظيف، وربطة عنق حريرية باهتة. وكانت المرأة العجوز قد حركت كرسيها إلى النضد الأمامي وجلست هناك تتحدث إليه. وكانت ماي واقفة وظهرها لكليهما تنظر من الباب الأمامي. كانت الغيوم رمادية، والدنيا يملؤها ضوء كريه مغبر عتيق بدا أنه لا يأتي من السماء فحسب، وإنما يأتي أيضا من جدران الآجر الجامدة، والطرق البيضاء، ومن حفيف أوراق الأجمة الرمادية، ومن صفع رفرفة اللافتات المعدنية في مهب الريح الرتيبة الحارة. كانت ماي قد شعرت، منذ أن تبعتها جدتها إلى الفناء الخلفي، بأن شيئا ما تغير، شيئا ما انبلج؛ نعم، إنه النور الجديد الذي رأته في الدنيا. وشعرت بشيء ما حيال نفسها، كأنه قوة، قوتها العدائية التي لم تتصور أنها تملكها لكنها لم تستكشفها بعد، فأرادت أن تحتفظ بها لفترة لحين استخدامها.
سألت الجدة: «لحساب أي شركة تسافر؟» فأجاب الرجل: «شركة روج.» «ألا يسمحون للمرء أن يعود لأسرته في عطلة نهاية الأسبوع؟»
قال الرجل: «لست مسافرا في مهمة عمل حاليا، على الأقل لست مسافرا في عمل لشركة «روج». يمكنك أن تقولي إنني مسافر في مهمة عمل خاصة.» «أوه، حسنا.» قالتها المرأة العجوز بنبرة من لا يريد أن يحشر أنفه فيما يخص أي شخص آخر من عمل خاص، وأردفت: «هل تعتقد أنها ستمطر؟»
ناپیژندل شوی مخ