رمي الجمرات في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة رضي الله عنهم
رمي الجمرات في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة رضي الله عنهم
خپرندوی
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
ناپیژندل شوی مخ
1 / 3
1 / 4
(١) لسان العرب، لابن منظور، باب الراء، فصل الجيم، ٤/ ١٤٦. (٢) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، مادة (جمر)، ١/ ٢٩٢. (٣) المصباح المنير، للفيومي، مادة (جمر)، ١/ ١٠٨. (٤) انظر: أضواء البيان، ٥/ ٢٩٨.
1 / 5
(١) وقد أصبح حوض الجمرة الكبرى: جمرة العقبة من جميع الجهات بعد التوسعة السعودية الجديدة في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز وفقه الله تعالى.
1 / 6
(١) ساخ في الأرض: أي غاص فيها. (٢) ابن خزيمة، بنحوه، برقم ٢٩٦٧، والحاكم، ١/ ٤٦٦، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٣٧. (٣) وذكر شيخنا ابن باز ﵀ في مجموع فتاويه، ١٧/ ٣١٠ - ٣١٣ حكمًا أخرى هي: ١ - اقتداءً بأبينا إبراهيم الخليل ﵇ حين اعترض له الشيطان في هذه المواقف، وبنبينا محمد ﷺ حين شرع ذلك لأمته في حجة الوداع. ٢ - إقامة ذكر الله تعالى: «إنما جعل الطواف بالبيت، والسّعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» [أحمد، ٤٠/ ٤٠٨]، وتقدم تخريجه. ٣ - التقيّد بالعدد سبعة له حكمة عظيمة، وهو التذكر بما شرع الله من هذا العدد: ترمى بسبع حصيات: كالطواف سبعًا، والسعي سبعًا. ٤ - الدين الإسلامي دين امتثال لأمر الله، حتى ولو خفيت الحكمة. ٥ - رمي الجمار يشعر المسلم بالتواضع والخضوع في امتثال الأمر، كما أنه يعوِّد المسلم على النظام والترتيب في المواعيد. ٦ - الاحتفاظ بالحصيات وعدم وضعها في غير موضعها يشعر المسلم بأهمية المحافظة على ما شرع ربه وعدم الإسراف، ووضع الأمور في مواضعها من غير تبذير ولا زيادة. ٧ - الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان. ٨ - غاية في تحقير المرجوم، والمسلم يرجم الجمار لكن الأصل لرجم إبراهيم ﵇ أن رجم الشيطان [رمي الجمرات للشريف، ص ٢٦].
1 / 7
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥٤٣، ١٥٤٤، ومسلم، برقم ١٢٨١، ١٢٨٢، وتقدم تخريجه في أحكام التلبية. (٢) وقد أزيل طرف الجبل المتّصل بجمرة العقبة بناءً على فتوى مفتي البلاد السعودية في عصره، العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ﵀، بتاريخ ١/ ٩/ ١٣٧٥هـ، وأنشئت الطرقات بين جمرة العقبة والجبل، كما هو مشاهد الآن. [انظر: فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ٥/ ١٥٠ - ١٥١].
1 / 9
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب رمي الجمار من بطن الوادي، برقم ١٧٤٧، وباب رمي الجمار بسبع حصيات، برقم ١٧٤٨، وباب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، برقم ١٧٤٩، وباب يكبر مع كل حصاة، برقم ١٧٥٠، ومسلم كتاب الحج، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة، برقم ١٢٩٦. (٢) مسلم، برقم ١٢١٨، وتقدم تخريجه. (٣) أول وقت رمي جمرة العقبة وآخره على النحو الآتي: أولًا: أول وقت رمي جمرة العقبة: أجمع العلماء على أن من رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس أجزأه ذلك، بل قال الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع، ص ٧٢: «وأجمعوا على أنه إن رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أنه يجزئ». واختلفوا في أول الوقت الذي يجوز فيه رمي جمرة العقبة إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: أول وقت رمي جمرة العقبة بعد منتصف الليل [وقيده بعضهم بعد غروب القمر، كما صحّ عن أسماء بنت أبي بكر ﵂]، وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وعطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد، كما ذكره ابن قدامة في المغني، ٥/ ٢٩٥، وقال النووي في شرح المهذب: «وبه قال عطاء، وأحمد، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر ﵂، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، واستدلوا بحديث عائشة ﵂، قالت: «أرسل النبي ﷺ بأمِّ سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت» [أبو داود، برقم ١٩٤٢، والنسائي، برقم ٣٠٦٦]، وقال ابن حجر في بلوغ المرام: «إسناده على شرط مسلم، وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، ٣/ ٢٦٣: «إسناده حسن». [وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٧٦، فقد نقل عن الإمام النووي تصحيحه في شرح المهذب، ثم قال الشنقيطي: «ولا يخفى أن رواية أبي داود المذكورة ظاهرها الصحة». قال شيخنا الإمام ابن باز ﵀: «لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل من ليلة النحر، وكذلك طواف الإفاضة»، وقال ﵀: «الصحيح أن رمي جمرة العقبة في النصف الأخير من ليلة النحر مجزئ للضعفة وغيرهم، ولكن يشرع للمسلم القوي أن يجتهد حتى يرمي في النهار اقتداء بالنبي ﷺ؛ لأنه ﷺ رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس» [مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤٣، وكان يفتي كثيرًا: بأنه يجوز الرمي بعد منتصف الليل، والأفضل بعد غروب القمر، ولكن الأفضل للأقوياء أن يرموا بعد طلوع الشمس، اقتداء بالنبي ﷺ، قال شيخنا ابن باز ﵀: «وحديث ابن عباس ﵄: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» [أخرجه أحمد، برقم ٢٠٨٢، ٠٨٩، و٢٥٠٧، و٢٨٤١، و٣٠٠٣، و٣١٩٢، و٣٢٠٣، وأبو داود، برقم ١٩٤٠، والنسائي، ٥/ ٢٧١، برقم ٣٠٦٤ والترمذي، برقم ٨٩٣] ضعيف لانقطاعه بين الحسن العرني وابن عباس، وعلى فرض صحته فهو محمول على الندب جمعًا بين الأحاديث، كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر ﵀). [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤٣، ١٧٥، ٢٢٢، ١٧/ ٢٩٢، ٢٩٤، ٢٩٦، ٣٧٧، ٢٥/ ٢٣١]. وقال الإمام ابن قدامة ﵀: «... ولرمي هذه الجمرة [أي جمرة العقبة] وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء؛ فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس، قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله ﷺ إنما رماها ضحى ذلك اليوم، وقال جابر ﵁: «رمى رسول الله ﷺ الجمرة يوم النحر ضحىً، وأما بعد فإذا زالت الشمس» [رواه مسلم، برقم ٣١٤ - (١٢٩٩)] إلى أن قال: «لأن رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالإجماع، وكان أولى. وحديث ابن عباس: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» [أبو داود، برقم ١٩٤٠، وغيره، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٤٥]، وكذا حديثه: «كان رسول الله ﷺ يقدم ضعفاء أهله بغلس ويأمرهم - يعني - لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس» [أخرجه أبو داود، برقم ١٩٤١، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٤٦] يحمل إذا كان صحيحًا على الاستحباب كما تقدم. وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر، ... ثم استدل بحديث عائشة ﵂ في رمي صفية ﵂ قبل الفجر، وبحديث أسماء، وأنها نزلت من مزدلفة بعد غروب القمر، ثم رمت قبل صلاة الفجر، وقال: لأنه وقتٌ للدفع من مزدلفة، فكان وقتًا للرمي، ثم قال في الأخبار في الرمي بعد طلوع الشمس: «والأخبار المتقدمة محمولة على الاستحباب». [المغني، ٥/ ٢٩٤ - ٢٩٥]. القول الثاني: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن رمي جمرة العقبة يبتدئ من بعد طلوع الشمس، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، واحتجوا بقول النبي ﷺ: «خذوا عني مناسككم ...» [مسلم، برقم ١٢١٨، والبيهقي بلفظه، ٥/ ١٢٥]، وبحديث ابن عباس، وفيه: «... لا ترموا الجمرة حتى تطلع المشس» [أبو داود، برقم ١٩٤٠، والنسائي، ٥/ ٢٧١، والترمذي، برقم ٨٩٣، وتقدم الحكم عليه]. القول الثالث: أول وقت رمي جمرة العقبة للضعفة بعد طلوع الفجر، ولغير الضعفة بعد طلوع الشمس، وهو قول لبعض أهل العلم، واختاره ابن القيم في زاد المعاد، ٢/ ٢٥٢، قال ابن القيم ﵀: «وفي المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها: الجواز بعد نصف الليل مطلقًا للقادر والعاجز، كقول الشافعي وأحمد رحمهما الله: [قال شيخنا ﵀ تعليقًا على هذا المذهب: وهذا هو الصواب، لكن بعد نصف الليل، والأقوياء الأفضل لهم تأخير الرمي إلى بعد طلوع الشمس]. والثاني: لا يجوز إلا بعد طلوع الفجر، كقول أبي حنيفة ﵀، والثالث: لا يجوز لأهل القدرة إلا بعد طلوع الشمس، كقول جماعة من أهل العلم، والذي دلت عليه السنة إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر، لا نصف الليل، وليس مع من حدَّه بالنصف دليل، والله أعلم» [زاد المعاد، ٢/ ٢٥٢]. ويرى العلامة ابن عثيمين ﵀: أنه لا يدفع أحد من مزدلفة، ولا يرمي إلا بعد أن يصلي الفجر ما لم يكن ضعيفًا، أو صاحب ضعيف، ومع ذلك لو دفع بعد نصف الليل فإنه لا يأثم، والمسألة من باب الأفضلية [الشرح الممتع، ٧/ ٣٦١]. ثانيًا: آخر وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى غروب الشمس يوم النحر، قال الإمام ابن قدامه في المغني، ٥/ ٢٩٥: «قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقتٍ لها، وإن لم يكن مستحبًا لها»؛ ولحديث ابن عباس ﵄ قال: كان النبي ﷺ يُسأل يوم النحر بمنى، فيقول: «لا حرج»، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج»، وقال: رميت بعدما أمسيت؟ فقال: «لا حرج» [البخاري، برقم ١٧٣٥، بلفظه، ومسلم، برقم ١٣٠٧]. قال الحافظ ابن حجر ﵀ في فتح الباري، ٣/ ٥٦٩ في قوله: «رميت بعدما أمسيت» أي بعد دخول المساء، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتدَّ الظلام، فلم يتعيَّن لكون الرمي المذكور كان بالليل»، فإن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرمِ جمرة العقبة، فقد اختلف العلماء على قولين: القول الأول: يجوز الرمي ليلًا، وهو قول عبد الله ابن عمر ﵄، وبه قال الإمام مالك وأصحابه، والإمام الشافعي، ومحمد بن المنذر، ويعقوب، واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: ١ - حديث ابن عباس ﵄، قال: «كان النبي ﷺ يُسأل يوم النحر بمنىً فيقول: «لا حرج»، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «إذبح ولا حرج»، وقال: رميت بعدما أمسيتُ؟ فقال: «لا حرج» [البخاري، برقم ١٧٣٥]، قالوا: فقد صرّح النبي ﷺ بأن من رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يصدق بجزء من الليل [أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٨٢]. ٢ - ما روى مالك في الموطأ في كتاب الحج، باب الرخصة في رمي الجمار، ١/ ٤٠٩، عن نافع مولى ابن عمر: «أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا من بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئًا»، قال العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر في كتابه تبصير الناسك، ص ١٤٥: «بإسناد صحيح»، فقال أصحاب هذا القول: فقد أمر ابن عمر زوجته صفية بنت أبي عبيد وابنة أخيها برمي الجمرة بعد الغروب، ورأى أنهما لا شيء عليهما في ذلك، وذلك يدل على أنه علم من النبي ﷺ: أن الرمي ليلًا جائز. [أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٨٥]. القول الثاني: لا يجوز الرمي ليلًا، بل إن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرمِ، فإنه يؤخر رمي جمرة العقبة حتى تزول الشمس من الغد ثم يرميها، وبهذا قال أبو حنيفة، وهو مذهب الإمام أحمد، قال الإمام ابن قدامه في المغني، ٥/ ٢٩٥: «فإن أخرها إلى الليل لم يرمِ حتى تزول الشمس من الغد، وبهذا قال أبو حنيفة وإسحاق ...»، وردّ أصحاب هذا القول على من استدل بحديث: «رميت بعدما أمسيت» فقالوا: إن مراد السائل بقوله: «بعدما أمسيت» يعني به بعد زوال الشمس في آخر النهار قبل الليل، قالوا: والدليل الواضح على ذلك: أن حديث ابن عباس المذكور فيه: كان النبي ﷺ يُسأل يوم النحر بمنى ... الحديث، فتصريحه بقوله: «يوم النحر» يدل على أن سؤاله وقع في النهار، والرمي بعد الإمساء وقع في النهار؛ لأن المساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ٣/ ٥٦٩: «رميت بعدما أمسيت» أي بعد دخول المساء»، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتدّ الظلام لم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل»، وقال ابن منظور في لسان العرب: «المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال بعضهم إلى نصف الليل». فأجاب أصحاب القول الأول بأجوبة منها: الجواب الأول: أن قول النبي ﷺ: «لا حرج» بعد قول السائل رميت بعدما أمسيت؟ يشمل لفظه نفي الحرج عمن رمى بعدما أمسى، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولفظ المساء عام لجزء من النهار وجزء من الليل. الجواب الثاني: أنه ثبت في بعض روايات حديث ابن عباس ﵄ المذكور ما هو أعم من يوم النحر، وهو صادق قطعًا بحسب الوضع اللغوي ببعض أيام التشريق، ومعلوم أن الرمي فيها لا يكون إلا بعد الزوال، فقول السائل في بعض أيام التشريق: رميت بعدما أمسيت؛ لا ينصرف إلا إلى الليل، لأن الرمي فيها بعد الزوال معلوم، فلا يسأل عنه صحابي، فعن ابن عباس ﵄، قال: كان رسول الله ﷺ يسأل أيام منى؟ فيقول: «لا حرج»، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: «لا حرج»، فقال رجل: رميت بعدما أمسيت؟ قال: «لا حرج»، [النسائي، برقم ٣٠٦٧، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٣٥٩]، فقوله في هذا الحديث الصحيح: أيام منى بصيغة الجمع صادق بأكثر من يوم واحد، فهو صادق بحسب وضع اللغة، ببعض أيام التشريق، والسؤال عن الرمي بعد المساء فيها لا ينصرف إلا إلى الليل، كما تقدم [أضواء البيان، للشنقيطي، ٥/ ٢٨٤]. الجواب الثالث: هو ما تقدم في موطأ الإمام مالك عن ابن عمر في الدليل الثاني من أدلة القائلين بجواز الرمي ليلًا. فالراجح جواز الرمي ليلًا، فيرمي من فاته الرمي لجمرة العقبة قبل غروب الشمس، ليلًا، عن اليوم الذي غابت شمسه، فيرمي عن جمرة العقبة ليلة الحادي عشر، وهو الذي يفتي به شيخنا ابن باز ﵀، ويرجحه منذ دهر طويل [انظر: مجموع الفتاوى له:١٧/ ٢٩٩، ٣٠١، ٣٧٧]. ثالثًا: جمهور العلماء على أن رمي جمرة العقبة واجب يجبر بدم، وخالف عبد الملك الماجشون من أصحاب مالك الجمهور، فقال: هو ركن، واحتج الجمهور بالقياس على الرمي في أيام التشريق [أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٨٧]. رابعًا: أجمع العلماء على أنه لا يرمي من الجمرات يوم النحر إلا جمرة العقبة [أضواء البيان، ٥/ ٢٨٧].
1 / 10
(١) متفق عليه: البخاري معلقًا مجزومًا به، كتاب الحج، باب رمي الجمار، قبل الحديث رقم ١٧٤٦، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وقت استحباب الرمي، برقم ٣١٤ – (١٢٩٩). (٢) جمرة العقبة لها خصائص اختصت بها على سائر الجمرات على النحو الآتي: ١ - ترمى يوم النحر. ٢ - صباحًا. ٣ - ترمى من أسفلها. ٤ - لا يوقف عندها للدعاء. ٥ - تستقبل حال الرمي. ٦ - أحد ما يحلّ به الحاج. ٧ - قطع الحاج التلبية إذا رماها. [فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم ﵀، ٦/ ١٥].
1 / 15
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم،١٧٢٧،ومسلم، واللفظ له، في كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، برقم ٣١٨ – (١٣٠١). (٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم ١٧٢٨، ومسلم، واللفظ له، في كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، برقم ١٣٠٢. (٣) مسائل مهمة في التحلل على النحو الآتي: المسألة الأولى: اختلف العلماء ﵏: هل الحلق نسك أم لا؟ على قولين: القول الأول: الحلق والتقصير نسك لا بد من فعله في الحج، والعمرة، فهو واجب من واجبات الحج، وواجب من واجبات العمرة، يثاب على فعله، ويستحق العقاب من تركه [قاله ابن تيميه في شرح العمدة، ٢/ ٥٤١]، قال الإمام ابن قدامة ﵀ في المغني، ٥/ ٣٠٤: «والحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة، في ظاهر مذهب أحمد، وقول الخرقي، وهو قول مالكٍ، وأبي حنيفة، والشافعي»، وبيَّن الإمام ابن قدامة أن هذا القول هو الأصح؛ فإن النبي ﷺ أمر به، فروى ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحل»، [البخاري، برقم ١٦٢٣، ومسلم برقم ١٢١١]، وعن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: «أحلوا من إحرامكم بطوافٍ بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصِّروا» [البخاري، برقم ١٤٦٦، ومسلم، برقم ١٠٠٥] وأمره يقتضي الوجوب؛ ولأن الله تعالى وصفهم به، بقوله سبحانه: ﴿مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [سورة الفتح: ٢٧]، ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به، كاللبس، وقتل الصيد؛ ولأن النبي ﷺ ترحَّم على المحلقين ثلاثًا، وعلى المقصرين مرة، ولو لم يكن من المناسك لما دخله التفضيل، كالمباحات؛ ولأن النبي ﷺ وأصحابه فعلوه في جميع حججهم وعمرهم، ولم يخلَّوا به، ولو لم يكن نسكًا لما داوموا عليه، بل لم يفعلوه إلا نادرًا؛ لأنه لم يكن من عاداتهم فيفعلوه عادة، ولا فيه فضل فيفعلوه لفضله ...» [المغني لابن قدامه، ٥/ ٣٠٥ – ٣٠٦ بتصرف]. وقال الشنقيطي ﵀ في أضواء البيان، ٥/ ٥٨٨: «التحقيق أن الحلق نسك، وأنه أفضل من التقصير». القول الثاني: الحلق والتقصير ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرَّمًا عليه بالإحرام، فأطلق فيه عند الحل، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام، وهذا القول رواية عن أحمد، فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه، ويحصل الحلُّ بدونه، ووجه ذلك: أن النبي ﷺ أمر بالحل من العمرة قبله، فروى أبو موسى قال: قدمتُ على رسول الله ﷺ، فقال لي: (بمَ أهللتَ؟) قال: قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال رسول الله ﷺ، قال: «أحسنت»، فأمرني فطفت بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم قال لي: «أحلّ» [البخاري، برقم ١٦٠٩، ومسلم، برقم ١٢٢١]. وعن جابر ﵁ أن النبي ﷺ لما سعى بين الصفا والمروة، قال: «من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة» [مسلم، برقم ١٢١٨]، وعن سراقه: أن النبي ﷺ قال: «إذا قدمتم فمن تطوَّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلَّ إلا من كان معه هدي» [أخرجه أحمد، برقم ١٥٤١٩، وأبو داود، برقم ١٨٠١،والدارِمِي، برقم ١٨٥٧، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم ١٥٧٣]؛ ولأن ما كان محرمًا في الإحرام إذا أبيح كان إطلاقًا من محظور، كسائر محرّماته [المغني، ٥/ ٣٠٦]. والصواب أن الحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة، وواجب من واجبات الحج، وواجب من واجبات العمرة، وعلى من تركه دمٌ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ عن هذا القول: «واعلم أن هذا القول غلط على المذهب ليس عن أحمد ما يدل على هذا، بل كلامه كله دليل على أن الحلق من المناسك [شرح العمدة، ٢/ ٥٤١]. وقال العلامة الشنقيطي: «وأظهر القولين عندي: أن الحلق نسك» [أضواء البيان، ٥/ ٢٨٨] وقال العلامة محمد بن عثيمين ﵀ في الشرح الممتع: ٧/ ٣٦٦: «والصواب: أنه نسك، وعبادة وقربة لله، والدليل على هذا: أن النبي ﷺ «دعا للمحلقين والمقصرين»، ولا يدعو إلا بشيء مطلوب شرعًا. ونقل ابن مفلح في الفروع، ٦/ ٥٧ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه نُسُكٌ، ويحلُ قبله، وذكر جماعة على أنه نسك في حلّه قبله روايتين. المسألة الثانية: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مسألة التحلل من الحج على أقوال: القول الأول: التحلل الأول يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة، فيحل له كل شيء إلا النساء، وبه قال الإمام أحمد في رواية عنه، والإمام مالك، وعطاء، وأبو ثور؛ لحديث عائشة ﵂، قالت: قال رسول الله ﷺ: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حلَّ له كلُّ شيءٍ إلا النساء» [أبو داود، برقم ١٩٧٨، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٥٤]، وقول ابن عباس ﵄، قال: «إذا رميتم الجمرة فقد حلَّ لكم كلُّ شيء إلا النساء»،فقال له رجل: يا ابن عباس والطيب؟ فقال: «أما أنا فقد رأيت رسول الله ﷺ يُضمِّخُ رأسه بالمسك، أفطيب ذلك أم لا؟»،وهذا لفظ ابن ماجه، وأما لفظ النسائي، فقال: «فعن ابن عباس قال: «إذا رمى الجمرة فقد حلَّ له كلُّ شيء إلا النساء» قيل: والطيبُ؟ قال: «أما أنا فقد رأيتُ رسول الله ﷺ يتضمَّخ بالمسك، أفطيب هو؟» [ابن ماجه، كتاب المناسك، باب ما يحل للرجل إذا رمى جمرة العقبة، برقم ٣٠٤١، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب ما يحل للمحرم بعد رمي الجمار، برقم ٣٠٨٤، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٣/ ٥٣، وفي صحيح النسائي، ٢/ ٣٦٤]، وأخرجه أحمد، ٥/ ٢٧٦، برقم: ٣٢٠٤، وقال محققو المسند، ٥/ ٢٧٦: «صحيح لغيره، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن عبد العزيز فمن رجال مسلم، وهو ثقة إلا أنه لم يسمع من ابن عباس»، ورواه أحمد أيضًا مرفوعًا٤/ ٥، برقم ٢٠٩٠، ولكن فيه الحسن العرني كذلك، وله شاهد عن عائشة ﵂، قالت: «طيبت رسول الله بيدي بذريرة لحجة الوداع للحلِّ والإحرام: حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت»، [أحمد، ٤٣/ ١٩٠، برقم ٢٦٠٧٨، وقال محققو المسند، ٤٣/ ١٩٠: «إسناده صحيح على شرط الشيخين»، وقال الإمام النسائي ... عن عائشة ﵂، قالت: «طيبت رسول الله ﷺ، لحرمه حين أحرم، ولحلِّه بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت» [النسائي، برقم ٢٦٨٦، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٢٥٦] قال الألباني في إرواء الغليل، ٤/ ٢٣٨، عن إسناد الإمام أحمد، وإسناد النسائي هذا: «وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين» [وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٢٣٩]. وقد رجّح هذا القول الإمام ابن قدامه في المغني، ٥/ ٣١٠، فقال: «وعن أحمد أنه إذا رمى جمرة العقبة، فقد حلَّ، وإذا وطئ بعد جمرة العقبة فعليه دم، ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحِلَّ بدون الحلق [يعني التحلل الأول]، وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لقوله: [ﷺ] في حديث أم سلمة ﵂: «إن هذا يوم رُخِّص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلُّوا – يعني من كل ما حُرمتم منه - إلا النساء ..» [أبو داود، برقم ١٩٦٩، في كتاب المناسك، باب الإفاضة في الحج، وقال الألباني في صحيح أبي داود، ١/ ٥٦٠: «حسن صحيح». قال شيخنا ابن باز في مجموع الفتاوى، ١٧/ ٣١٦: «... التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة عند جمع من أهل العلم، وهو قولٌ قويٌ، وإنما الأحوط هو تأخير التحلل الأول حتى يحلق المحرم، أو يقصرّ، أو يطوف الإفاضة، ويسعى إن كان عليه سعي بعد رمي جمرة العقبة، ومتى فعل الثلاثة المذكورة حلّ التحلّل كله، والله ولي التوفيق». القول الثاني: التحلل الأول لا يحصل إلا برمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير، فإذا فعل ذلك حلَّ له كله شيء إلا النساء، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، والإمام أحمد في الرواية الأخرى، قال الإمام ابن قدامة ﵀ في المغني، ٥/ ٣٠٧: «... المحرم إذا رمى جمرة العقبة ثم حلق حلَّ له كلُّ ما كان محظورًا بالإحرام إلا النساء، هذا الصحيح من مذهب أحمد ﵀، نصَّ عليه، في رواية جماعة، فيبقى ما كان محرمًا عليه من النساء: من الوطء، والقبلة، واللمس، لشهوة، وعقد النكاح، ويحلُّ له ما سواه، هذا قول ابن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم، وطاوس، والنخعي، وعبيد بن الحسن، وخارجة بن زيد، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروي أيضًا عن ابن عباس ﵄). وعن أحمد أنه يحلُّ له كل شيء إلا الوطء في الفرج، لأنه أغلظ المحرمات، ويُفسدُ النسك بخلاف غيره»، وقال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، ٩/ ٢١٣: «وظاهر كلام أبي الخطاب، وابن شهاب، وابن الجوزي ... حلُّ العقدِ، وقاله الشيخ تقي الدين، وذكره عن أحمد، وعنه إلا الوطء في الفرج»، وفي الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص ١٧٥: «يحلُّ للمحرم بعد التحلل الأول كلُّ شيء حتى عقد النكاح، وهذا منصوص أحمد إلا النساء». وقال ابن قدامة في المغني، ٥/ ٣٠٩: «وظاهر كلام الخرقي ها هنا: أن الحلَّ إنما يحصلُ بالرمي والحلق معًا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقول الشافعي، وأصحاب الرأي»، واستدلوا بحديث عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء» [أحمد، ٤٢/ ٤٠، برقم ٢٥٠٣، قال محققو المسند، ٤٢/ ٤٠: «صحيح دون قوله: «وحلقتم»، وهذا إسناد ضعيف لضعف حجاج بن أرطأة»، وقال الألباني في إرواء الغليل، ٤/ ٢٣٥، برقم ١٠٤٦: «وضعيف بزيادة «وحلقتم»، قال ابن قدامه في المغني، ٥/ ٣١٠: «وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما؛ ولأنهما نسكان يتعقبهما الحلُّ فكان حاصلًا بهما، كالطواف والسعي في العمرة»، وأما التحلل الثاني فيحصل بالطواف بالبيت والسعي لمن كان عليه سعي. قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، ٧/ ٣٦٥: «الذي يظهر لي أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق، والدليل قول عائشة ﵂: «كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت» [البخاري، برقم ٢٥٩، ومسلم برقم ١١٨٩]، ولو كان يحل بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق، فهي ﵂ جعلت الحلَّ ما بين الطواف والذي قبله، والذي قبله هو الرمي، والنحر، والحلق، ولا سيما وأن النبي ﷺ قال: «إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر» [البخاري، برقم ١٥٦٦، ومسلم، برقم ١٢٢٩]، فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق». وتقدم أن شيخنا ابن باز بيّن أن الأحوط أن لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، أو فعل اثنين من ثلاثة. [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ٢٢٤، ١٧/ ١٣١، ٣٢٧، ٣٥٤، ٣٥٥، ٣٥٨، و٢٥/ ٢٣١، ٢٤٠]. القول الثالث: التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة: هي رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة، فإذا فعل اثنين من هذه الثلاثة: تحلّل التحلّل الأول، وحلّ له كلُّ شيء إلا النساء، وإن فعل الثالث تحلل التحلل الثاني، وبهذا يحلُّ له كل شيء حتى النساء، وبهذا قال الإمام الشافعي كما نقله العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، ٥/ ٢٨٩، وهو رواية عن الإمام أحمد، كما قاله ابن مفلح في الفروع، ٦/ ٥٧، قال: «وهل يحصل التحلل الأول باثنين من رمي، وحلق، وطواف، واختاره الأكثر، أو بواحد من رمي، وطواف، والثاني بالباقي، فيه روايتان، فعلى الثانية الحلق إطلاق من محظور، وفي «التعليق» نسك كالمبيت بمزدلفة، ورمي يوم الثاني والثالث، واختار الشيخ أنه نسك». وقال المرداوي في تصحيح الفروع، ٦/ ٥٧: «... يحصل التحلل الأول باثنين: من رمي، وحلق، وطواف، وهو الصحيح ... والرواية الثانية: يحصل التحلل [أي الأول] بواحد من رمي وطواف»، وهذا على القول بأن الحلق ليس بنسك، والصواب أنه نسك كما تقدم. وقال الإمام ابن قدامة في الكافي، ٢/ ٤٤٥: «يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة: الرمي، والحلق، والطواف، ويحصل التحلل الثاني بالثالث، إن قلنا إن الحلق نسك، وإن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بواحد من اثنين، وهما الرمي والطواف، وحصل التحلل الثاني بالثاني»، وتقدم أن الصواب أن الحلق نسك. وقال شيخنا ابن باز في مجموع الفتاوى، ١٧/ ٣٥٤: «يقصد بالتحلل الأول: إذا فعل اثنين من ثلاثة: إذا رمى، وحلق أو قصر، أو رمى، وطاف وسعى إن كان عليه سعي، أو طاف وسعى، وحلق أو قصر، فهذا هو التحلل الأول، وإذا فعل الثلاثة: الرمي، والطواف، والسعي إن كان عليه سعي، والحلق أو التقصير، فهذا هو التحلل الثاني، فإذا فعل اثنين فقط: لبس المخيط، وتطيب وحلَّ له كل ما حرم عليه بالإحرام ما عدا الجماع، فإذا جاء بالثالث حل له الجماع». وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا رمى الجمرة يوم العيد يحصل له التحلل الأول، وهو قول جيد، ولو فعله إنسان فلا حرج عليه إن شاء الله، ولكن الأولى والأحوط أن لا يعجل حتى يفعل معه ثانيًا بعده: الحلق أو التقصير، أو يضيف إليه الطواف والسعي إن كان عليه سعي ..». المسألة الثالثة: القدر الذي يكفي في الحلق أو التقصير في الحج والعمرة: اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: يجب حلق جميع الرأس أو تقصير جميعه للرجال، أما النساء فيقصرن من جميع الرأس قدر الأنملة، وبهذا قال الإمام أحمد، وأصحابه، والإمام مالك وأصحابه، ولا يلزم في التقصير تتبع كل شعرة، بل يكفيه أن يأخذ من جميع الرأس، وبعضهم يقول: يكفيه قدر الأنملة في التقصير من جميع الرأس، والمالكية يقولون: يقصره إلى القرب من أصول الشعر. قال العلامة الشنقيطي ﵀ في أضواء البيان، ٥/ ٥٨٩: «... أجمع جميع علماء الأمة على أن التقصير مجزئ، ولكنهم اختلفوا في القدر الذي يكفي في الحلق والتقصير ...» إلى أن قال: «وقال مالك، وأحمد، وأصحابهما يجب حلق جميع الرأس أو تقصير جميعه، ولا يلزمه في التقصير تتبع كل شعره ...». وقال العلامة ابن مفلح في الفروع، ٦/ ٥٤: «وإن قصر فمن جميه نصَّ عليه، قال شيخنا [يعني ابن تيمية] لا من كل شعرة بعينها». القول الثاني: يكفي حلق ربع الرأس أو تقصير ربعه بقدر الأنملة، وبه قال أبو حنيفة [أضواء البيان، ٥/ ٥٨٩]. القول الثالث: يكفي في الحلق والتقصير ثلاث شعرات فصاعدًا؛ لأن ذلك يصدق عليه أنه حلق، أو قصر؛ لأن الثلاث جمع، وبه قال الإمام الشافعي وأصحابه. [أضواء البيان، ٥/ ٥٨٩]. وذكر ابن مفلح في كتابه الفروع عن الإمام أحمد رواية ٦/ ٥٤، بقوله بعد أن ذكر وجوب حلق الجميع أو تقصيره قال: «وعنه أو بعضه، فيجزئ ما نزل عن رأسه». قال العلامة الشنقيطي ﵀ في أضواء البيان، ٥/ ٥٨٩: «وأظهر الأقوال عندي أنه يلزم حلق جميع الرأس، أو تقصير جميعه، ولا يلزم تتبع كل شعره في التقصير؛ لأن فيه مشقة كبيرة، بل يكفي تقصير جميع جوانب الرأس مجموعة أو مفرقة، وأنه لا يكفي الربع ولا ثلاث شعرات خلافًا للحنفية، والشافعية؛ لأن الله تعالى يقول: «مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ»، ولم يقل بعض رؤوسكم «وَمُقَصِّرِينَ» أي رؤوسكم؛ لدلالة ما ذكر قبله عليه، وظاهره حلق الجميع أو تقصيره، ولا يجوز العدول عن ظاهر النص إلا لدليل يجب الرجوع إليه؛ .. ولأن النبي ﷺ لما حلق في حجة الوداع حلق جميع رأسه ..» [مسلم، برقم ١٣٠٥، من حديث أنس ﵁، وروى البخاري عن ابن عمر ﵄: «حلق رسول الله في حجته» [البخاري، برقم ١٧٢٦]، ولا شك أن حلق بعض الرأس دون بعض قد نهى عنه رسول الله ﷺ، فإنه قد نهى عن القزع [البخاري، برقم ٥٩٢٠، ٥٩٢١، ومسلم، برقم ٢١٢٠]، [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٣٥٣، وفتح الباري لابن حجر، ١١/ ٥٥٨، وحاشية الروض المربع، ١/ ١٦٢]، وقد قال النبي ﷺ: «احلقوه كله أو اتركوه كله» [النسائي، برقم ٥٠٦٣، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٣/ ٣٥٩]. المسألة الرابعة: الحلق أفضل من التقصير بالنسبة للرجال، أما النساء فليس عليهن حلق، وإنما عليهن التقصير، فيجب على المرأة في الحج أو العمرة أن تقصِّر من جميع رأسها قدر الأنملة؛ لأنه يصدق عليه أنه تقصير، من غير منافاة لظاهر النصوص؛ ولأن شعر المرأة من جمالها؛ لحديث ابن عباس ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير» [أبو داود، برقم ١٩٨٤،١٩٨٥،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،١/ ٥٥٥]. المسألة الخامسة: حكم حلق المرأة رأسها: لا يجوز لخمسة أمور على النحو التالي: ١ - الإجماع على عدم حلقهن في الحج، قال ابن المنذر في الإجماع، ص ٧٥: «وأجمعوا أن ليس على النساء حلق». ٢ - أحاديث جاءت بنهي النساء عن الحلق، عن علي، وعثمان، وعائشة، وهي يعضد بعضها بعضًا [أضواء البيان، ٥/ ٥٩٥ - ٥٩٧]. ٣ - أنه ليس من عمل نساء الصحابة ومن بعدهم، وفي الحديث: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» [البخاري، برقم ٢٦٩٧، ومسلم، واللفظ لمسلم، برقم ١٧١٨]. ٤ - حلق النساء تشبه بالرجال وهو حرام «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال» [البخاري، برقم ٥٨٨٥]. ٥ - حلق النساء مثلة، والمثلة لا تجوز؛ لأن شعر رأس المرأة من أحسن أنواع جمالها، وحلقه تقبيح لها، وتشويه لخلقها [أضواء البيان ٥/ ٥٩٧، قال الشنقيطي في الأضواء، ٥/ ٥٩٨: «وبهذا تعلم أن العرف الذي صار جاريًا في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجية مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين، ونساء العرب قبل الإسلام، ومن جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق، والسمت ...». وأما ما جاء عن أزواج النبي ﷺ من ذلك، فأما ميمونة على تقدير صحة حلقها فالحلق لضرورة المرض، لتمكين آلة الحجم من الرأس، وأما حديث مسلم «وكان أزواج النبي ﷺ يأخذن من رؤوسهن حتى يكون كالوفرة»، والوفرة ما جاوز شحمة الأذنين على قول ابن سيده، فتقصير أزواج النبي ﷺ رؤوسهن بعد وفاته ﷺ؛ لأنهن كن يتجملن له في حياته، ومن أجمل زينتهن شعرهن، أما بعد وفاته فلهن حكم خاص بهن لا تشاركهن فيه امرأة من نساء جميع أهل الأرض، وهو انقطاع أملهن انقطاعًا كليًا من التزويج، ويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع. انظر التفصيل في [أضواء البيان، ٥/ ٥٩٩ – ٦٠١].
1 / 16
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥٣٩، ومسلم، برقم ١١٨٩، وتقدم تخريجه في الإحرام.
1 / 23
(١) مسلم، برقم ١٢١٨، وتقدم تخريجه. (٢) البيهقي في السنن الكبرى، ٥/ ١٢٥. (٣) البقرة، الآية: ٢٠٣. (٤) أحمد، برقم ٢٤٥١، ٤٠/ ٤٠٨، ورقم ٢٤٢٦٨، ورقم ٢٥٠٨٠، وأبو داود، برقم ١٨٨٨، والترمذي، برقم ٩٠٢، وابن خزيمة، ٤/ ٢٢٢، برقم ٢٧٣٨، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص١٤٨، وحسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، ٣/ ٢١٨، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة، ٤/ ٢٢٢: «إسناده صحيح»، وتقدم تخريجه في واجبات الحج.
1 / 24
(١) مسلم بنحوه، برقم ١٢١٨. (٢) وقد ذكر العلماء شروطًا لصحة الرمي منها الشروط الآتية: الشرط الأول: أن يكون المرمي به حصى؛ لقول الرسول ﷺ، وفعله. الشرط الثاني: أن يكون الرمي مقصودًا بفعله، فلو رمى في الهواء لا يقصد رمي الجمرة فوقعت الحصاة في المرمى لم يجزه؛ لأنه لم يقصده، ولو رمى إنسانًا فوقعت الحصاة في ثوبه فنفضها فوصلت إلى المرمى لم تجزه، فلا بد من نية مطلق الرمي لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات». الشرط الثالث: وقوع الحصى في المرمى في الحوض في مجتمع الحصى. الشرط الرابع: غلبة الظن أو العلم بوقوع الحصى في المرمى. الشرط الخامس: تفريق الرميات، فلو رماها دفعة واحدة لا تجزئ، وتعتبر واحدة فقط. الشرط السادس: ترتيب رمي الجمرات، فيبدأ بالصغرى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، لفعل النبي ﷺ وقوله: «لتأخذوا عني مناسككم» انظر: كتاب رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، للدكتور شرف بن علي الشريف، ص ٦١ - ٧٢. (٣) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٧٣، ١٧/ ٣٦٩، ٣٧٩، ٢٣/ ٤٦٠. (٤) قال الحافظ بن حجر في الفتح، ٣/ ٥٧٩ في حكم رمي الجمار أيام التشريق: «وقد اختلف فيه: فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم، وعند المالكية سنة مؤكدة، فيجبر، وعندهم رواية: أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه ...». وقال العلامة الشنقيطي، في أضواء البيان، ٥/ ٢٩٣: «اعلم أن الرمي في أيام التشريق واجب يجبر بدم عند جماهير العلماء على اختلاف بينهم في تعدد الدماء ...».
1 / 25
(١) البخاري معلقا مجزومًا به، كتاب الحج، باب رمي الجمار، قبل الحديث رقم ١٧٤٦، وأخرجه مسلم موصولًا في كتاب الحج، باب بيان وقت استحباب الرمي، برقم ١٢٩٩. (٢) سورة الأحزاب، الآية: ٢١.
1 / 26
(١) وتمام كلام النووي، ٩/ ٥٣: «... وقال طاوس، وعطاء: يجزئه في الأيام الثلاثة قبل الزوال، وقال أبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه، يجوز في اليوم الثالث قبل الزوال، دليلنا: أنه ﷺ رمى كما ذكرنا، وقال: «لتأخذوا مناسككم»، واعلم أن رمي جمار أيام التشريق يشترط فيه الترتيب، وهو أن يبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة ...» [شرح النووي، ٩/ ٥٤]، وقال الحافظ ابن حجر، في الفتح، ٣/ ٥٨٠: «وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال، وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقًا، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال، وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه». (٢) مسلم، برقم ١٢٩٧، والبيهقي، ٥/ ١٢٥، والنسائي، برقم ٣٠٦٢.
1 / 27
(١) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الوقوف بجمع، برقم ٣٠٢٣، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٣/ ٤٧. (٢) البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة، برقم ٧٨٥. (٣) شرح النووي على صحيح مسلم، ٩/ ٥٠. (٤) الترمذي، كتاب الحج باب ما جاء في الرمي بعد الزوال، برقم ٨٩٨، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٤٦٣.
1 / 28
(١) أبو داود، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، برقم ١٩٧٣، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٥٢. (٢) كنا نتحيّن: أي نطلب الحين: وهو الوقت. (٣) البخاري، كتاب الحج، باب رمي الجمار، برقم ١٧٤٦. (٤) فتح الباري لابن حجر، ٣/ ٥٨٠. (٥) رمي الجمرات، للدكتور شرف الشريف، ص٩١.
1 / 29
(١) موطأ الإمام مالك، كتاب الحج، باب رمي الجمار، ١/ ٤٠٨،برقم ٢١٧، والبيهقي في السنن، ٥/ ١٤٩. (٢) البيهقي في السنن الكبرى، ٥/ ١٤٩. (٣) متفق عليه: البخاري، برقم ٢٦٩٧، ومسلم، برقم ١٧١٨، وهذا لفظ مسلم، أما لفظ البخاري فهو: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وتقدم تخريجه. (٤) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤٤. (٥) الشرح الممتع لابن عثيمين، ٧/ ٣٨٤. (٦) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة، برقم ٦٧، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم ١٧٣٤.
1 / 30
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، برقم٦٤٠٤، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في التجاوز في الأمر، برقم ٢٣٢٧. (٢) مسلم، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم ١٨٢٨. (٣) مسلم برقم، ١٢٩٨، وتقدم تخريجه في محظورات الإحرام. (٤) مسلم، برقم ١٢١٨، وتقدم تخريجه (٥) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، برقم ٨٣٢.
1 / 31
(١) متفق عليه، البخاري، مواقيت الصلاة، بَاب الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، برقم ٥٠٢، مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، بَاب اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إِلَى جَمَاعَةٍ وَيَنَالُهُ الْحَرُّ فِي طَرِيقِهِ، برقم ١٤٣٠. (٢) الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٧/ ٣٨٤. (٣) المرجع السابق، ٧/ ٣٨٥. (٤) انظر: فتح الملك المعبود في شرح سنن أبي داود، ٢/ ١٠٥.
1 / 32