فتقدمت لبابة وهي تظهر الاهتمام وكأنه قد فتح عليها برأي سديد فقالت: «اجلسوا لأهديكم إلى طريق يهون علكم كل صعب».
فجلسوا جميعا وكانوا لا يزالون واقفين.
فقالت: «لا تسخروا برائي لأني عجوز فإني أعرف من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله. اعلموا أن في مصر من مريدي الإمام علي أحزابا جمة أذعنوا لعمرو بن العاص بالرغم عنهم وهم صابرون على ما أصابهم من مقتل ابن أبي بكر وهم جماعة كبيرة لا يزالون ينوون الانتفاض إذا سنحت الفرصة. هل تعلمون ذلك؟
قال عبد الله: أهذا ما تفاخريننا بمعرفته ولا يجهله أحد من المسلمين فإني عالم به وبأكثر منه.
قالت: وما الذي تعلمه فوق ذلك؟
فابتسم عبد الله ابتسام الاستخفاف وقال: «إني أعلم أمورا كثيرة تلقنتها من جدنا أبي رحاب رحمه الله وقد أوصاني أن لا أطلع عليها أحدا غير أخي سعيد لأنها تنفعه في جهاده بالدفاع عن أمير المؤمنين».
فتوسمت لبابة من وراء ذلك سرا لأنها لم تقل ما قالته إلا وهي ترجو الإطلاع عليه فهزت كتفها والتفتت إلى قطام التفاتة ففهمت قطام مرادها فابتدرت عبد الله قائلة بنغمة الدلال: «إذا كنت تلقنت ذلك سرا فاحفظه ولا تبح به لأحد من الخوارج نظيرنا ...».
فخجل عبد الله من توبيخها اللطيف ونظر إلى سعيد فرآه شاخصا إليه كأنه يتوقع تصريحه بذلك السر بين يدي قطام لئلا تسيء الظن بهما.
فقال عبد الله وفي كلامه لهجة الاعتذار: «حاشا يا مولاتي. إني لا أعني كتمان السر عنك بعد أن رأينا منك الموافقة على الدفاع عن أمير المؤمنين بل بعد أن كنت أنت الداعية إلى الدفاع عنه. ولكنني قلت ما قلته ببساطة ولكي تتأكدي صدق نيتي آذني لي أن أبسط ذلك السر بين يديك ويدي خالتي لبابة». قال ذلك والتفت يمنة ويسرة كأنه يحاذر أن يسمعه رقيب أو عدو فأصغى الجميع لسماع كلامه فقال: «علمت من جدي رحمه الله أن في الفسطاط كما قالت خالتي جمهورا كبيرا لا يزالون على دعوة الإمام علي وهم متحدون قلبا وقالبا في القيام بنصرته ولهم اجتماعات سرية يجتمعون فيها للمفاوضة في الوسائل المؤدية إلى ذلك». ولما بلغ إلى هذا الحد تلعثم لسانه كأن شيئا أوقفه عن إتمام الحديث وارتبك في كلامه فسكت.
وظهرت البغتة عليه وقد ندم على ما فرط منه وعول على الاقتصار على ما قاله فأدركت لبابة المحتالة سبب توقفه فابتدرته قائلة وهي تضحك: «أنعم به من سر عميق لم يطلع عليه أحد إني لا أراك زدت على قولي حرفا واحدا. فقد قلت أن دعاة علي باقون على دعوته فلم تزد على ذلك إلا أنهم يجتمعون سرا. وهذا أمر مفهوم بالقرينة فكأنك ندمت على ثقتك فينا فبدأت بالحديث ثم قطعته ولا ألومك على ذلك فإنك لا تعرفنا قبل هذه الساعة».
ناپیژندل شوی مخ