قال : سارت مع لبابة.
قال: أتظنها تبطئ كثيرا؟
قال: لا أدري وربما ظلت إلى المساء أو الغد إذ يخيل لي أنها التمست بعض أهلها في مكان خارج الكوفة.
دار ذلك الحديث بينهما وسعيد لا يزال راكبا جمله يتردد بين أن ينتظر عودتها قبل سفره أو أن يسير. وود لو يعلم أين هي ليمضي إليها فيودعها ويذهب شيئا من غيرته عليها. ولو تحقق مجيئها بعد ساعة أو بضع ساعات لفضل الانتظار ولكنه خاف أن يطول غيابها أياما. فعول على المسير إلى مكة فقال لريحان: أقر قطاما السلام عند رجوعها وقل لها إني شاخص إلى مكة لأمر يدعو إلى الإسراع وقد جئت لوادعها فلم أجدها. على أني سأعود قريبا بإذن الله.
قال: حسنا.
فودعه وعاد فانضم إلى رفاقه وسار يلتمس مكة وقلبه في الكوفة. ولم يكد يخرج منها حتى ندم على خروجه ولم ير قطاما. ولكنه التمس عذرا لنفسه بما دعاه إلى العجلة من أمر جده.
الفصل العاشر
أبو رحاب
وكان أبو رحاب جد سعيد شيخا طاعنا في السن كما تقدم ربى سعيد في حجره بعد موت والده وكان كلاهما على دعوة بني أمية في المطالبة بدم عثمان. ولم يكن غرضهما من ذلك إلا الانتقام لعثمان لأنهما أقاما زمانا طويلا في منزله. وكان أبو رحاب مع شدة حبه لعثمان لم يغفل عما كان فيه من الخطاء الذي دعا الناس إلى اضطهاده وكثيرا ما كان يحرضه على الإصلاح ومصالحة المسلمين فلم يصغ له إلا قليلا. وعلم أبو رحاب بعد ذلك أن جماعة من ذوي الأغراض كانوا يثنونه عن الإصغاء ويحرضونه على العداء. حتى إذا قتل عثمان كان أبو رحاب وسعيد في جملة المطالبين بدمه. ولكنه ما لبثا أن عادا من واقعة الجمل حتى قعد أبو رحاب عن المطالبة لأنه تحقق أن أصحاب تلك الواقعة إنما حاربوا عليا طمعا في الملك لا غيرة على عثمان.
وأقام في مكة مدة لا تسلية له إلا سعيد وكان سعيد ينوي الانضمام إلى جند معاوية في واقعة صفين فمنعه جده. وكان أبو رحاب يعلم أن سعيدا يحب قطاما حبا شديدا وأنه ساع في التزوج بها. ولذلك فإنه كان يأذن له في الخروج إلى الكوفة لتلك الغاية. وطال غياب سعيد هذه المرة وأحس أبو رحاب بزيادة الضعف فأراد استقدامه ليتزود من رؤيته قبل موته ويوصيه وصية لها علاقة كبرى في شؤون حياته وربما غيرت مجاري أعماله وحولته عن مقاصده وآماله. فبعث رجلا من خاصته اسمه عبد الله في وفد إلى الكوفة لهذه الغاية. ولبث ينتظر رجوعهم وهو يتقلب على فراش الضعف والهرم كأنه يستمهل ملاك الموت ريثما يصل حفيده لئلا يذهب ما في نفسه أدراج الرياح وتضيع حياة سعيد عبثا.
ناپیژندل شوی مخ