عندها نهض فزعا.
كانت النار تزحف في لب جوز الهند في بطء وهدوء، لا أحد بالكهف، هو يعرف أصوات أهل الكهف كلهم ويميزها، قرأ آية الكرسي بصمت غير مرقد رأسه، وبمجرد أن غفا قليلا حتى سمع صراخ ثمليخا تبعه نباح الكلب: المجوس، المجوس، المجوس ...
بلسان ثمليخا تأتأة، الليل هادئ كوجه طفل نائم، والقمر قوس ضئيل في نهاية السماء عند الغرب، تمشى قليلا بين الأعشاب، نظر بعيدا نحو القرية حيث يرقد الناس وينامون.
نظر في الاتجاه الآخر، كان يعرف أن هنالك يقع وادي الأناناس والكهوف التي رحل إليها آل جين في أيامهم الأخيرة بالدغل، ولقد وعدته فلوباندو في السابق بزيارته، هو الآن خائف مخافة لا يدري كنهها لكنه يعرف مكانها، إنه الكهف، كهف الذئب، كهف أهل الكهف، ما معنى صراخهم: النار، المجوس؟!
قرر أن يذهب نحو منازل آل جين جنوب الوادي لأنه لا يستطيع أن ينام، ولا يستطيع البقاء بالكهف؛ إنه مسكون، وهذا أمر لا شك فيه. أخذ من حقيبته شمعة وعلبة كبريت، حمل مصباحه الذي يعمل بالبطاريات الجافة، كانت بطاريات ضعيفة بعض الشيء لكنه سيستخدمها عند الضرورة فقط، ولن ينسى أن يحمل فأسه، كلما أحس بمخافة قرأ آية الكرسي أو تبسمل بصوت خفيض، فالبسملة لا يضير معها شيء.
وقع حذائه الكولمان القوي على الصخر والأعشاب يفزع نعاس الليلة القمرية، فتهرع الفئران والأرانب مبتعدة أو تهس الثعابين مستطلعة بمد أعناقها ... تساءل: هل يخاف الثعابين؛ فهي سامة وقد تؤدي لدغتها إلى الوفاة في الحال؟ الوادي تحته يمتص الظلمة فيكونها، ضوء القمر يفترس ما تيسر من ظلام. سلطان يمشي في الطريق الصحيح نحو الكهف، هنالك طريق قديمة كان يتخذها آل جين، لم تقل له ماذا كانوا يفعلون بالكهف، لربما هي نفسها لا تدري. الطريق كما هي واضحة بالنهار لم تكن مهجورة، فهناك طارق لها دائم أبناء جين، فلوباندو، الصيادون الذين يعبرون نحو الجزء الجنوبي من وادي الأناناس حين يكثر الخنزير البري، الأصلة والنمر الأزرق، يكثر بها جوز الهند، يستخدمه الدغليون في إشعال النار بعد شرب عصيره المقوي جنسيا، الفاتح للشهية.
من مخافة لمخافة!
من، أم، أم، نن، ل، م، أ، من ...
من متاهة لوضوح ...
وجد نفسه وسط غابة الموز، العلامة المميزة لسكن آل جين، حين لم يكن بهذا الموقع موز من قبل، لكن آل جين هم الذين نقلوه من وسط الدغل إلى هنا. لكنه لم يدر أن موقع الكهف هنا، نعم هو لا يريد أن يدخل الكهف، فالكهف المظلم المهجور مخافات كثيرة؛ الجن يسكن البيوت الخالية المهجورة، الحيوانات المفترسة تتخذ البيوت والكهوف المهجورة مسكنا لها. لأن الصدفة لا تتأتى إلا لمن يبحث عنها، وجد نفسه أمام بناية صغيرة دار حولها في حذر، كان يظن أن آل جين يسكنون في كهف الحجر لكن هذا المبنى مصنوع من أوراق الموز وبعض أعواد الحطب الطويلة القوية، وهو يدور لاحظ أن هنالك مبنى آخر لا يبعد كثيرا عن المبنى الأول، مشى نحوه، كان القمر في لحظاته الأخيرة قبل أن يختفي في متاهات الغرب، كان نحيلا هزيلا محمرا، وقف ليمتع نفسه بلحظات الأفول الأخيرة للقمر، توصل من قبل إلى حقيقة أن القمر هنا والشمس يأفلان قبل الشمس والقمر هنالك في المدينة بزمن يساوي كثافة الأشجار وطولها بالدغل. بينما هو في مقارنات سمع صوتا يقول: إذن أنت تتبعني؟
ناپیژندل شوی مخ