رحمان او شیطان
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
ژانرونه
7 (8: 1-2).
وفي مواضع أخرى نجد أن تعبير جند الرب أو جند السماء يدل بوضوح على الملائكة. نقرأ في سفر يشوع: «رفع «يشوع» عينيه ونظر، وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده، فسار إليه يشوع وقال له: هل أنت لنا أو لأعدائنا؟ فقال: كلا بل أنا رئيس جند الرب» (5: 13-14). ونقرأ في إرميا: «كما أن جند السماوات لا يعد ورمل البحر لا يحصى، هكذا أكثر نسل داود عبدي» (33: 22). وفي سفر أخبار الأيام الثاني: «قد رأيت الرب جالسا على كرسيه وكل جند السماء وقوف عن يمينه ويساره» (18: 18). وفي المزمور 103: «باركوا الرب يا ملائكته ... باركوا الرب يا جميع جنوده، خدامه العاملين مرضاته» (103: 20). وفي المزمور 148: «سبحوه يا جميع ملائكته، سبحوه يا كل جنوده» (148: 1-3).
هذه الشواهد وغيرها تلقي ضوءا على الجملة التي ختم بها المحرر التوراتي فعاليات خلق يهوه. فلقد أراد القول بأن يهوه لم يكن وحيدا عندما اكتمل خلق العالم، وأن المستوى الما ورائي كان مليئا منذ البداية بحشد من الكائنات الإلهية والملائكية، ولكن يهوه قد سما عليهم جميعا من خلال عملياته الخلاقة عند جذور الزمن، وها هو يراقب صيرورة التاريخ الذي انطلق عقب التكوين دونما خطة إلهية مسبقة.
بعد طرد الإنسان من جنة عدن، مما فصلناه في موضع سابق، يبتدئ تاريخ الحضارة الإنسانية، ولكن يهوه لا يتبع فعاليات التكوين بفعاليات التأصيل على طريقة الآلهة المشرقية، التي وضعت بنفسها أصول التحضر الإنساني ودفعت حثيثا مسيرة البشر الثقافية، وإنما ينسحب إلى عليائه بعد أن أسس لثلاثة أصول فقط، هي الخطيئة واللعنة والجريمة. فقد دفع الزوجين الأولين إلى الخطيئة ثم أخرجهما بخطيئتهما من الجنة إلى الأرض ليعملوا فيها، ولعن الأرض بسببهما: «ملعونة الأرض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكا وحسكا تنبت لك.» وعندما ولد للزوجين الأولين ابنان، هيا يهوه أسباب الجريمة الأولى بقبوله قربان أحدهما ورفضه قربان الآخر، فقتل قاين هابيل متبدئا تاريخ نسل آدم بالعنف والعدوان. بعد تأسيسه لهذه الشرور الأولى يغفو الإله التوراتي ردحا طويلا تاركا البشر يسلكون في طرقهم الخاصة، حتى تكاثروا وملئوا الأرض. وخلال هذه المدة لم يتدخل في شئونهم لا سلبا ولا إيجابا ولم يؤسس لنوع من الصلة معهم. فلا طقوس ولا عبادات ولا شريعة أخلاقية من أي نوع. وفجأة ينتبه يهوه ويخطر له أن يتفقد أحوال الناس فيرى أن شرهم قد كثر في الأرض، ولا يجد وسيلة لإصلاح هذا الشر أفضل من إفنائهم جميعا، رغم كل الخيارات الأخرى المتاحة أمام إله يفترض أنه كلي القدرة: «ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع البهائم ودبابات وطيور السماء ... فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت» (التكوين، 6).
بعد زوال الطور الأول من الحضارة وابتداء الطور الثاني مما تلا الطوفان، يعود يهوه إلى الاستغراق في ذاته تاركا العالم على هواه مرة أخرى، ثم يصحو ليجد الناس وقد صاروا أمة واحدة تتكلم لسانا واحدا، وها هم يبنون مدينة وبرجا عاليا يصبح رمز وحدتهم وتكاتفهم، وبدلا من أن يمد لهم يد العون فقد عمل على تشتيتهم وبلبلة ألسنتهم ليصبحوا شيعا متفرقة متناحرة: «وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة ... وقالوا هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه الأرض. فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب: هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه. هلم ننزل ونبليل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددهم الرب من هناك على وجه الأرض» (التكوين ، 11: 1-8).
يختفي يهوه بعد أن اطمأن إلى تشتيت البشر وفرقتهم بتنوع لغاتهم، وبعد أن اطمأن إلى إحباط قفزتهم الحضارية الأولى. بينما يتابع سفر التكوين سرد نسب سام بن نوح من دون جميع فروع بني البشر، ومن سلسلة نسب سام هذه يتابع فقط خطا واحدا هو الخط الذي انتهى بالمدعو تارح، الذي ولد في مدينة أور الكلدانية ثم ارتحل مع ولديه ناحور وأبرام (= إبراهيم) وحفيده لوط من ابنه المتوفى هاران، فسار وحط في مدينة حاران في الشمال السوري. هنا ينتبه يهوه مجددا وينظر إلى الأرض بقاراتها وشعوبها وحضاراتها جميعها، فلا يرى منها سوى أبرام، فنراه يكلمه بدون مقدمات ويأمره بالتوجه إلى أرض كنعان التي سيعطيه إياها ميراثا ويجعله أمة عظيمة: «وقال الرب لأبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك ... وتتبارك فيك قبائل الأرض» (التكوين، 12: 1-3). أما لماذا وقع الاختيار على أبرام هذا من دون بقية بني البشر، ولماذا سيجعل الرب منه أمة عظيمة وتتبارك فيه قبائل الأرض جميعها، فأسئلة لا يجيب عليها النص، ولا يستطيع من يتابع سيرة أبرام وسير أبنائه وأحفاده من بعده أن يستشف أية حكمة من وراء هذا الاختيار.
بعد ذلك بمدة، يعقد يهوه عهدا بينه وبين أبرام مضمونه أن يعبد، هو ونسله من بعده، يهوه وحده من دون بقية الآلهة، مقابل تقديم الحماية والعون لهم وإعطائهم أرضا تصبح لهم ملكا خاصا: «ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له: أنا الله
8
القدير. سر أمامي وكن كاملا، فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيرا جدا ... وتكون أبا لجمهور كبير، فلا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون إبراهيم ... وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا، وأكون إلههم» (17: 1-8). وبعد وفاة إبراهيم يجدد يهوه عهده مع ابنه إسحاق ومع ابن إسحاق يعقوب، الذي صار اسمه إسرائيل وأنجب اثني عشر ولدا، هم رءوس قبائل بني إسرائيل.
خلال عصر الآباء الذي يبتدئ بهجرة إبراهيم إلى كنعان، وينتهي بالتحاق يعقوب وأولاده بيوسف في مصر، لا يتصل الرب بأولئك الآباء إلا مرات قليلة وعلى فترات متباعدة، وذلك إما لتجديد العهد أو للتبشير بغلام بعد سن العجز واليأس. كما أنه لا يستن لهم شريعة ولا يوحي بوصايا من أي نوع. من هنا تبدو لنا جماعة عصر الآباء بدون عقيدة واضحة أو دين مؤسس، وفيما عدا هذه الاتصالات العرضية التي يباشرها يهوه بنفسه، فإن هذا الإله الذي يوصف عادة بالإله الذي يتجلى في التاريخ ويفعل من خلاله، لا يمارس أية فعالية في تاريخ العالم الذي يفترض أنه خالقه، ولا في تاريخ البشرية التي يفترض أنه إلهه. لقد اختار نسل إبراهيم شعبا له، ومن نسل إبراهيم اختار خط إسحاق من دون إسماعيل، ومن خط إسحاق اختار خط يعقوب من دون عيسو.
ناپیژندل شوی مخ