رحلات فضا
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
ژانرونه
في ظل ما يشيع في هذا العصر من إشباع لحظي للمعلومات، أضحى لدى الجميع القدرة على الوصول إلى الآراء والأفكار والشروح السطحية بسرعة وسهولة، وأصبح من الصعوبة بمكان أن يحظى المرء بالمعرفة الأساسية التي تيسر فهما صادقا للعالم. وما تفعله كتب هذه السلسلة هو أنها تحقق ذلك الغرض. وكل كتاب من هذه الكتب المختصرة يقدم للقارئ وسيلة ميسرة للوصول إلى الأفكار المعقدة، من خلال تبسيط المواد المتخصصة لغير المختصين، وشرح الموضوعات المهمة بأبسط طريقة ممكنة.
بروس تيدور
أستاذ الهندسة البيولوجية وعلوم الكمبيوتر بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
مقدمة
رحلات الفضاء هي واحدة من أعظم الإنجازات التي حققها البشر في القرن العشرين؛ ففي عام 1900، لم يكن هناك سوى شخص أو اثنين فقط على وجه الأرض يعلمون أن الصاروخ ربما يجعل السفر عبر الفضاء ممكنا، ولم تمر أربعة عقود، إلا وبدأت الصواريخ الألمانية «في-2» رحلاتها إلى ما وراء الغلاف الجوي. وبحلول عام 1963، كان الاتحاد السوفييتي قد أطلق أقماره الصناعية الأولى، ووصل إلى القمر، ووضع أول رجل وأول امرأة في مدار الأرض. وفي نهاية ذلك العقد نفسه، دار رواد الفضاء الأمريكان حول القمر ثم هبطوا عليه. وبحلول السبعينيات من القرن العشرين وصلت الروبوتات الأمريكية والسوفييتية إلى سطح كوكب الزهرة والمريخ، وقبل عام 1989، كانت مركبات الفضاء الأمريكية قد حلقت بالقرب من الكواكب الثمانية الكبرى جميعها. وانطلقت أربع من هذه المركبات في رحلات ذهاب فقط إلى فضاء ما بين النجوم، فكانت بذلك أول أجهزة من صنع البشر تستطيع الهروب ليس فقط من تأثير جاذبية الأرض، بل من تأثير جاذبية الشمس أيضا.
رحلات الفضاء هي واحدة من أعظم الإنجازات التي حققها البشر في القرن العشرين.
هذا الاستكشاف المباشر للكون، بالتزامن مع التليسكوبات الفضائية والأرضية، قد غير فهم الإنسان لكوكبنا، وللنظام الشمسي، وللكون تغييرا جذريا. ومع ذلك، فإن الاستكشاف لم يكن أبدا هو السبب الوحيد، أو حتى السبب الرئيسي، الذي جعلنا نتجه للفضاء؛ فالأغلبية العظمى من مركبات الفضاء تدور حول كوكب الأرض لتمده بخدمات، أو لتجمع حوله معلومات. منذ الستينيات من القرن العشرين، نجحنا في ربط الفضاء القريب من الأرض، بداية من المدار الأرضي الجغرافي المتزامن (المدار الذي يدور فيه القمر الصناعي في نفس اتجاه كوكب الأرض حيث المدة التي يستغرقها ليدور دورة كاملة حول الأرض تساوي مدة دوران الأرض حول نفسها) على بعد 22200 ميل (35800 كيلومتر)، وأقمنا منطقة جديدة للحكم والنشاط الاقتصادي. وقد أصبح ما يحدث هناك الآن جوهريا للحياة اليومية، لا سيما في العالم المتقدم، وذلك من خلال توفير سبل التواصل العالمية، والملاحة بالأقمار الصناعية، وعمليات رصد الطقس، والاستطلاعات العسكرية، والإنذار المبكر ضد الصواريخ، وعلوم الأرض، وما إلى ذلك. وكان ثمرة ذلك خلق بنية تحتية فضائية نامية، ولكنها في الوقت نفسه غير مرئية.
ما زال «برنامج الفضاء» حتى الآن مرادفا لرحلات الفضاء المأهولة بالنسبة للكثيرين. إلا أن رواد الفضاء قد قطعوا أقل من 400 ميل (650 كيلومترا) تقريبا من سطح الأرض منذ رحلة «أبولو» الأخيرة للقمر في ديسمبر 1972. ومن المتوقع أن يتغير ذلك في العشرينيات من القرن الحادي والعشرين، ولكن ما زلنا لا ندري ما إذا كان ذلك سيثمر عن مستقبل نابض بالحياة من بناء قواعد على سطح القمر أو القيام برحلات استكشافية إلى كوكب المريخ. وفي حين أننا تعلمنا دروسا مهمة في ما يقرب من نصف القرن الذي لم يتخط فيه رواد الفضاء مدار الأرض المنخفض، إلا أن قيمة التغيير التكنولوجي والإنجاز في الرحلات الفضائية المأهولة سوف تتضاءل عند مقارنتها بكل من عمليات استكشاف الفضاء العميق الآلية والبنية التحتية للفضاء القريب. ومن ثم، فإن أحد أهدافي الرئيسية من تأليف هذا الكتاب الموجز هو تمهيد الطريق أمام القارئ الواعي العادي ليرى بوضوح النطاق الواسع من الأنشطة التي طورناها كبشر في الفضاء، وتأثير هذه الأنشطة على الوعي والثقافة.
علاوة على ذلك، لا مناص من أن يصف التاريخ الأصول والأسباب، وليس فقط الأحداث وتداعياتها. إن خيال الإنسان ورغبته الملحة في الاستكشاف كان له بالضرورة علاقة وطيدة برحلات الفضاء، ولكن أي نشاط في هذا الاتجاه يكلف أموالا طائلة. في مستهل القرن العشرين، سرعان ما حلت سباقات التسلح العالمية والحرب محل الحماس المتقد كدوافع أساسية للتطوير. وما زالت البعثات العسكرية وبعثات الأمن الوطني تمثل جزءا كبيرا جدا فيما يحدث في مدار الأرض. ولا ريب أن اكتساب الهيبة والقوة التكنولوجية كان من العوامل الخطيرة، لا سيما لرحلات الفضاء المأهولة أثناء الحرب الباردة، وبعدها. وقد دخلت المنافسة التجارية والأرباح المعادلة في ستينيات القرن العشرين، وكان ذلك في البداية من خلال الأقمار الصناعية الخاصة بالتواصل فحسب. ثم بدأ النشاط يمتد إلى قطاعات أخرى، في أواخر الحرب الباردة، حتى وصل بحلول العقد الأول من الألفية الثانية إلى رحلات الفضاء المأهولة.
نظرا لأن الدول القومية هي الفاعل الرئيسي في هذا المجال؛ فإن تاريخ الفضاء كثيرا ما يكتب كتاريخ البرامج القومية، أو كتاريخ البرامج التعاونية بين الدول. ويسوق ذلك معظم السرد في هذا الكتاب، خصوصا في الفصول الثلاثة الأولى التي تسرد قصة أصول تكنولوجيا الفضاء وأفكاره، وسباق الفضاء في الحرب الباردة، وعلوم الفضاء والاستكشاف (الذي كان ثمرة الحرب الباردة). بيد أن الحركات العابرة للحدود القومية للبشر والأفكار والتكنولوجيا كانت على الدوام جزءا لا يتجزأ من قصة رحلات الفضاء، وقد تنامت أهميتها منذ اضطلعت الشركات والدول الجديدة بدور أكبر منذ نهاية الحرب الباردة. في الفصول الثلاثة الأخيرة، سأناقش نمو البنية التحتية العالمية في الفضاء (البنية التحتية العسكرية والمدنية)، وظهور «ثقافة فلكية» عالمية وتدويل رحلات الفضاء المأهولة وخصخصتها بعد الحرب الباردة. ويعد التكامل العالمي لاقتصادات العالم والنظم السياسية هو أساس بعض هذه التغييرات، ولكن رحلات الفضاء تؤثر أيضا على عملية العولمة ومعدلها، وذلك من خلال التأثير، من بين أمور أخرى، على ثقافة الكوكب وشبكات التواصل الخاصة به.
ناپیژندل شوی مخ