رحلات فضا
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
ژانرونه
رغم تصدر السوفييت سباق الفضاء بإطلاق بعثتين بالروبوتات إلى سطح القمر في 1966، كان منتصف الستينيات من القرن العشرين هو الفترة التي بدأ فيها برنامج الفضاء السوفييتي في الانهيار. كانت أسباب الانهيار متعددة. في فترة زخم الصواريخ الباليستية في أواخر الأربعينيات وفي الخمسينيات، كان كوروليف عبقريا في قيادة العديد من مصانع الصواريخ ومكاتب التصميمات والتنسيق بينها. وبحلول الستينيات، كان نضج صناعة الصواريخ والفضاء يعني أن هناك الآن العديد من المشروعات الكبرى تحت قيادة شخصيات مهمة تتنافس - منافسة لدودة في أغلب الأحيان - للحصول على استحسان المجمع الصناعي العسكري وقيادة الحزب. كان صاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات الذي صنعه كوروليف غير عملي، ولذا فاز مكتب تصميمات ميخائيل يانجل بتقديمه تصميمات أفضل. كان ثمة خلاف بين كوروليف وفالنتين جلوشكو، مصمم أول محرك صواريخ بالوقود السائل، على اختيار الوقود للمعزز ن-1 العملاق الذي كان سيستخدم للهبوط على سطح القمر، ولذا أوكل كوروليف مهمة تصميم المحرك لشركة أخرى. ثارت خلافات تنافسية أخرى مع مصمم الصواريخ فلاديمير شيلومي، الذي طور صاروخ «بروتون» بمحرك معزز ووضع خططا بديلة للبعثات المأهولة، بما في ذلك مشروع لإرسال رائدي فضاء للدوران حول القمر. نقل البرنامج الأخير إلى مكتب كوروليف، مما نجم عنه مشروعان قمريان وأدى ذلك إلى توزيع الموارد القليلة، وجعلها أقل.
يمكننا أن نقول إن قرار السوفييت بمنافسة «أبولو» جاء متأخرا جدا. لم يوافق خروتشوف على برنامج إلا في أغسطس 1964. ويبدو أن سلسلة نجاحات السوفييت قد جعلت الجميع راضيا عن نفسه. في بداية عام 1966، توفي سيرجي كوروليف إثر إجراء عملية جراحية فاشلة، مخلفا فراغا كبيرا في قيادة برنامج الفضاء. ولكن الصراع المحتدم يبين أن دكتاتورية الحزب الواحد والاقتصاد المخطط كانا أقل نجاحا من النظام الرأسمالي الديمقراطي في الفوز بالمنافسة الاقتصادية الداخلية ووضع برنامج متماسك - على عكس توقعات الغرب الحالية بأن النظم الديكتاتورية هي الأقرب لاتخاذ قرارات حاسمة. علاوة على ذلك كله، لم يملك الاتحاد السوفييتي اقتصادا كبيرا وفعالا بما يكفي لدعم سباق القمر ومنافسة الصواريخ مع الولايات المتحدة التي حشدت إمكانياتها. قصر بريجنيف وكوزيجين في تمويل مشروعات الصعود إلى القمر وجعلوا الأولوية هي اللحاق بالولايات المتحدة في نظم التسليم النووي. وكانت أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 مهينة؛ واضطر خروتشوف إلى إزالة الصواريخ الموضوعة هناك لتعويض الدونية الاستراتيجية السوفييتية.
في مستهل عام 1967، واجهت برامج الفضاء المأهولة الخاصة بكلتا القوتين العظميين عقبات كئودا أدت كذلك إلى تعتيم الصدارة الأمريكية المتزايدة. وفي يناير، حدث حريق في منصة إطلاق مركبة الفضاء «أبولو» التي كانت تحمل طاقما مكونا من ثلاثة رواد فضاء - هم جس جريسوم وإدوارد وايت (الذي كان أول أمريكي يسير في الفضاء عام 1965) وروجر شافي - مما أسفر عن مقتل الثلاثة. وأدى ذلك ببرنامج «أبولو» إلى كارثة بعد أن انكشف النقاب عن عيوب مركبة الفضاء. بعد ثلاثة شهور، في أبريل، مات فلاديمير كوماروف في تحطم مركبة الفضاء «سويوز 1»، بعد أن تشابكت مظلاته في نهاية الرحلة المنكوبة. وأحجمت كلتا الدولتين عن إرسال رواد فضاء حتى أواخر عام 1968.
أجبر هذا الحريق وكالة ناسا على إجراء فحص كامل دقيق لبرنامج «أبولو»، مما أثمر عن سلسلة مذهلة من النجاحات بين أواخر 1967 وأواخر 1969. تبع الاختبار الأول الناجح لصاروخ «ساتورن 5» الضخم اختبار مداري لمركبة الهبوط على القمر، ثم خمس رحلات فضاء كاملة كان على متنها رواد فضاء بدأت في أكتوبر 1968. جدير بالذكر أن فرانك بورمان وجيمس لوفيل وويليام أندرز قاموا بأول رحلة للفضاء العميق على متن المركبة «أبولو 8»، التي دارت حول القمر في عيد الميلاد. تلا ذلك بعثتان في مدار الأرض ومدار القمر بعد أن أصبحت المركبة الأم ومركبة الهبوط على سطح القمر متوفرتين. كانت مركبة الفضاء «أبولو 11» هي ذروة النصر المؤزر عندما هبط نيل أرمسترونج وباز ألدرين على القمر ووطئت أقدامهما أرضه في 20 يوليو 1969، في حين دار مايكل كولينز فوقهما. وكانت عودتهم السالمة بأول عينات من جسم سماوي آخر بمثابة دليل قاطع على إنجاز كينيدي في تحدي 1961. في وقت متأخر من نفس العام، انطلقت المركبة «أبولو 12» وهبطت بدقة بالقرب من «سيرفيور 3»، أحد المسابير الأمريكية الروبوتية، التي كانت هناك منذ 1967.
نفذ السوفييت عدة بعثات فضاء بمركبات «سويوز» في مدار الأرض المنخفض في الفترة نفسها، بما في ذلك إرساء مركبتين منهما. ولكن هذه البعثات، كان هدفها الرئيسي، بخلاف تطوير خبرة الفضاء، هو تغطية الفشل الذريع لبرامج الهبوط على سطح القمر. كان المقرر أن تحمل إحدى مركبات «سويوز» معدة للدوران حول القمر على متنها رائدي فضاء قبل أن يفعلها الأمريكان. كان النجاح الجزئي لاختبارات المركبات غير المأهولة سببا في الظن بأن الاتحاد السوفييتي كان منافسا قويا ل «أبولو 8». لكن لم يتم إطلاق أي رواد فضاء بسبب احتياج المركبة لإصلاحات، وبعد ذلك حازت الولايات المتحدة قصب السبق ونجحت في إرسال طاقم في مدار القمر، وليس فقط للدوران حوله. فشل الاختباران الأولان للصاروخ «إن-1» - الذي كان حجمه يبلغ نفس حجم «ساتورن 5» - الذي كان من المقرر أن يطلق مركبة الهبوط على سطح القمر، فشلا ذريعا كارثيا في 1969، بسبب تصميم المرحلة الأولى المبالغ في التعقيد والحد الأدنى من التجارب اللذين نجما عن نقص التمويل. استمر برنامج «إن-1» في بداية السبعينيات، ولكن انتهت محاولتا إطلاق أخريان نفس النهاية المؤسفة لسابقتيهما. وأنكر الاتحاد السوفييتي، في العلن، أنه امتلك أصلا برنامجا للهبوط المأهول على سطح القمر.
تناقص سرعة سباق الفضاء
أنهى النصر الذي حققته المركبة «أبولو 11» المرحلة الأولى من سباق الفضاء. وكانت ميزانية وكالة ناسا في تناقص بالفعل بعد أن وصل إنفاق «أبولو-ساتورن» إلى ذروته في 1966 وأدت حرب فيتنام وأعمال الشغب الحضرية، وغيرها من المشاكل القومية إلى تخفيض الدعم العام المقدم للوكالة. شجع النجاح المؤزر في رحلة القمر وكالة ناسا على أن تحاول حث إدارة نيكسون الجديدة على التصديق على إنشاء مكوك فضاء ومحطة فضاء واستكشاف القمر وإرسال بعثة مأهولة إلى كوكب المريخ قبل الثمانينيات من القرن العشرين. ولكن الدولة لم تكن مستعدة لذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نيكسون. استمرت ميزانية ناسا في التراجع حتى منتصف السبعينيات؛ إذ كانت تتمتع بنصف القوة الشرائية التي كانت تتمتع بها في 1966. على الجانب السوفييتي، حول الفشل الذي مني به مشروع القمر تركيز خلفاء كوروليف إلى سلسلة من المحطات المدارية الصغيرة. وفي النهاية، قررت القيادة السوفييتية بناء مكوك فضاء، محاكاة لبرنامج رحلات الفضاء المأهولة الفعلي الجديد الذي وضعته وكالة ناسا في بداية السبعينيات. أقنع نيكسون والكونجرس ببرنامج الفضاء الأمريكي بحجة أن المركبات القابلة لإعادة الاستخدام سوف تقلل تكلفة الإطلاق بدرجة هائلة. وكان من المقرر تأجيل الخطط الأكثر طموحا حتى الثمانينيات أو ما بعدها.
17
هكذا خففت قوى الحرب والمنافسة الدولية التي كانت تعجل تطوير تكنولوجيا الفضاء والصواريخ من سرعتها بشكل مفاجئ. نفذت الولايات المتحدة أربع عمليات هبوط بالمركبة «أبولو» من بين خمس محاولات، ولكن انتهاء ذلك البرنامج في ديسمبر 1972، كان بمثابة آخر مرة يغامر فيها البشر بالابتعاد عن الأرض مسافة تزيد عن 400 ميل، على الأقل حتى هذه اللحظة. والآن عندما نعيد التفكير في تلك الأحداث يبدو جليا أمامنا أن مثل هذا التوجه التاريخي اللامتوازن كان من الصعب أن يستمر . ولكنها كانت مفاجأة غير سارة للمؤمنين باستكشاف الفضاء الذين كانوا يتوقعون أن يستمر استكشاف الفضاء العميق المأهول إلى الأبد.
إلا أن سباق الفضاء لم يكن قد انتهى بعد؛ إذ استمرت المنافسة لمدة عشرين سنة أخرى ولكن بوتيرة أهدأ وأخف حدة؛ فطالما كانت الحرب الباردة مستمرة، لم تستطع الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفييتي التوقف عن محاولة مواكبة كل منهما إنجازات الآخر. كان هذا صحيحا على نحو ملحوظ في عالم الفضاء العسكري، حيث استمرت المنافسة من أجل إمكانيات الفضاء في كامل عنفوانها، حتى أثناء فترة الانفراج الدولي في منتصف السبعينيات، عندما رتب الجانبان عرضا دوليا للتعاون بإرساء مركبتي الفضاء «أبولو» و«سويوز» في عام 1975. واصلت القوتان العظميان تطوير إمكانياتهما في الاستطلاع بالتقاط الإشارات اللاسلكية والصور، كما واصلتا تطوير إمكانيات الإنذار المبكر، والطقس، والاتصالات، والملاحة، وغيرها من نظم الأقمار الصناعية، وذلك للأغراض العسكرية ولأغراض الأمن الوطني. بل إن الاتحاد السوفييتي تمادى إلى حد اختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية ونظم القصف المداري لمهاجمة الولايات المتحدة.
ناپیژندل شوی مخ