رفیف الاقحوان

نِقولا فياض d. 1377 AH
155

رفیف الاقحوان

رفيف الأقحوان

ژانرونه

وحوم بالذكرى على قلبه الخلي

فأسرع نحو الصوت والغاب مغلق

ومن دونه الأغصان مشتبكات

كأن لم يكن قبلا شقيا بدائه

ولا اعترضته غيمة في سمائه

فماتت على أوتاره النغمات

هنا لا بد من تتمة الحديث نثرا لضياع باقي القصيدة، والذي أذكر أن أوسفالد أبصر مشهدا لم تقع عيناه من قبل عليه؛ فتاة كأنها من الجان أو حور الجنان، وسط خميلة من الورود البيضاء، تنقر على القيثارة وتغني وترقص، فبهره منظرها على ضوء القمر، وأحس أن سهما قد اخترق صدره هو انقضاض الصاعقة كما يقال. وذعرت الفتاة عندما رأته، ولكن أفرخ روعها عندما سمعت نغمة صوته العذب وهو يحييها، فمالت إليه ومال إليها، وسرعان ما استأنست به فتبادلا الحديث، وصار يختلف إليها كل ليلة فيسمع نشيدها ويشاركها في النقر على العود، ثم يبثها حبا دفينا وشوقا كمينا إلى أن عرض عليها الزواج فقبلت.

كل هذا وهو لا يعلم عنها شيئا ولا يعرف اسمها؛ لأن للنور عادات وتقاليد ، فحياتهم غامضة وأخلاقهم مجهولة وأسماؤهم مكتومة عن الغريب، وقد تسمي الواحدة نفسها حنة أو هيلانة أو غير ذلك، ويبقى اسمها الحقيقي سرا من الأسرار. وكثيرا ما يعرض عليها الزواج من غريب، فترفض ولو كان الخاطب أميرا؛ لأن للنور ملوكا وأمراء، فهم في حياتهم التائهة لا يغرهم مال أو جاه ولهم أرستوقراطيتهم.

ولكن الظاهر أن الحب هنا كان من أعظم العوامل التي جعلت الفتاة تخرج على تقاليدها، على أنها أبت أن تبوح باسمها لأوسفالد إلا بعد الزواج. أما أمه فخافت عليه إذا هي عارضت في هذا الزواج، وضربت موعدا له صباح الأحد، وانتشر الخبر في البلد ففرح الجميع لأميرهم وأخذوا يستعدون للعيد.

وكانت أم أوسفالد قد انتهت من إعداد هدية العرس، وأحبت أن تنقش عليها اسم العروس، ولم يبق لميعاد الزواج سوى يوم واحد، فلم ير أوسفالد بدا من الذهاب إلى الغاب، وهي نزهة تعودها كل يوم، عسى أن تلين حبيبته فتبوح باسمها. فما تجاوز غير بعيد حتى رأى بعض البدويات وقد اجتمعن للحديث، فإذا بواحدة منهن تلفظ اسمه وتقول لجاراتها: «غدا تزف أرتمويا إلى أوسفالد»، أرتمويا! إذن هذا هو الاسم المحبوب، أرتمويا، ما أعذب هذه اللفظة وألطفها وقعا على السمع! أرتمويا، يا لها من صدفة سعيدة أعطته مفتاح السر! وبدلا من أن يعود أدراجه ليطلع أمه عليه، أحب أن يكمل طريقه إلى الغاب ليفاجئ حبيبته وهو يظن أنه فتح فتحا مبينا. فلما انتهى إليها وصار على قاب قوسين أو أدنى، صاح أرتمويا، فأجفلت الفتاة وعلا وجهها اصفرار الموت وقالت بحزن يساوره شيء من الغضب: عرفت اسمي، فلا يمكن أن أكون لك. وقبل أن يحير جوابا ناولته القيثارة وأسرعت إلى الفرار وهي تقفز كالظبي، وهو يجد في إثرها حتى وصلت النهر، فغطست فيه وغطس وراءها واختفيا في عباب الماء.

ناپیژندل شوی مخ