فكادت المرأة تجن فزعا، وصاحت بحدة: لا تعذبيني يا شيث! صارحيني بما قالوا .. رباه! - مولاتي، إنهم يذكرونك ذكرا غير جميل .. ماذا فعلت يا مولاتي حتى تستحقي غضبهم؟
فضمت رادوبيس يدها إلى صدرها، وقد اتسعت عيناها ذعرا، وقالت بصوت متقطع: أنا؟ .. أيغضب الناس علي أنا؟ .. ألم يجدوا في هذا اليوم المقدس ما يشغلهم عني؟ .. رباه! .. ماذا قالوا يا شيث؟ .. اصدقيني رحمة بي.
فقالت المرأة وهي تبكي بكاء مرا: تصايح المجانين يا مولاتي بأنك تنهبين مال الأرباب.
فتنهدت من صدر مكلوم، وتمتمت بحزن: أواه! .. إن قلبي ينخلع ويتوجس خيفة، وأخوف ما أخاف أن يضيع الفوز المرتقب وسط الصراخ وصيحات الغضب. أما كان الأجدر بهم أن يتغاضوا عني إكراما لمولاهم؟
فصكت الجارية صدرها بيدها، وولولت قائلة: إن مولانا نفسه لم يسلم من أذى ألسنتهم.
وفرت صرخة فزع من فم المرأة الفزعة، وأحست برجفة تزلزل نفسها، وقالت: ماذا تقولين؟ .. هل تجاسروا على مس فرعون؟
فقالت المرأة الباكية: نعم يا مولاتي، وا أسفاه! .. قالوا فرعون يلهو. نريد ملكا جادا.
فرفعت رادوبيس يديها إلى رأسها كأنها تستغيث، وتلوى جسمها من شدة الألم، وارتمت بيأس على الديوان، وهي تقول: رباه! .. أي هول هذا؟ .. كيف لا تزلزل الأرض، وتندك الجبال؟! كيف لا تصب الشمس نيرانها على الدنيا؟!
فقالت الجارية: إنها تزلزل يا مولاتي زلزالا شديدا؛ فالقوم مشتبكون في قتال عنيف مع الشرطة، والدماء تسيل وتنفجر .. وكادت تطؤني الأقدام، ففررت لا ألوي على شيء، وانحدرت في قارب إلى الجزيرة، وما كان أشد انزعاجي إذ وجدت النيل يموج بالسفن، والناس على ظهرها يهتفون كما يهتف الآخرون، وكأنهم جميعا على ميعاد!
وغشيها خور، وطغت عليها موجة يأس خانق، أغرقت آمالها الصارخة بغير رحمة. وجعلت تسائل نفسها المحزونة: ترى ماذا حدث في آبو؟ وكيف وقعت هذه الحوادث الخطيرة، وما الذي أثار الشعب وأخرجه عن وعيه، وهل يقدر للرسالة الفشل ويقضى على أملها بالموت؟ الجو مغبر كالح، تتطاير فيه نذر شر مستطير، ولن يتذوق قلبها الطمأنينة، إن الخوف القاتل يجثم عليه كقطعة من الزمهرير، وقد قالت بصوت كالبكاء: العون أيتها الأرباب .. هل يظهر مولاي لهذا الشعب الهائج؟
ناپیژندل شوی مخ