71

فقالت: لست اليوم كأمس؛ فقد نقل إلي بعض عبيدي الذين يمشون في الأسواق حديث قوم غاضبين يحز في نفوسهم أن مولاهم حرمهم من أراضيهم، ويضاعف من آلامهم أن أموالهم تنفق على قصري هذا.

فتبدى الغضب على وجه فرعون، ولاح له شبح خنوم حتب يطل على جنته المطمئنة، فيكدر صفوها، ويزعج أمنها. واشتد به الغضب فصبغ وجهه بلون النيل في إبان فيضانه، وقال لها بصوت متهدج: أهذا الذي يحزنك يا رادوبيس؟ .. الويل لأولئك المتمردين لا يمسكون عن غيهم؛ ولكن لا تكدري صفونا. ولا تبالي تباكيهم .. دعيهم لشأنهم، وافرغي لي.

فأحاطت يده بكفيها، وضغطت عليها بحنو، ونظرت إليه بعينين ضارعتين، وقالت: أنا قلقة حزينة، ويؤلمني أن أكون سببا لشكوى قوم منك .. وكأني أحس بخوف غامض لا أدري ما كنهه .. والمحب يا مولاي شديد المخاوف.

فقال باستياء وغضب: كيف تخافين، وأنت بين يدي؟

فقالت بتوسل: مولاي .. إنهم يرمقون حبنا بعين الحسد، وينفسون على هذا القصر والحب والطمأنينة والنعيم، ولقد قلت لنفسي في حزني وقلقي: ما للحب وهذا الذهب الذي ينثره مولاي علي؟ ولا أنكر عليك أني كرهت الذهب الذي يؤلب قوما علينا. ألا ترى أن هذا القصر سيظل جنتنا ولو تعرت أرضه ومسخت حوائطه؟ .. إذا كان بريق الذهب يا مولاي يخطف أبصارهم فاملأ به أيديهم يعموا ويزدردوا ألسنتهم. - وا أسفاه يا رادوبيس! إنك تذكرينني بحديث أكره سماعه.

فقالت بتوسل: مولاي، إنه غشاوة في سماء سعادتنا، فامحها بكلمة. - وما الكلمة هذه؟

فقالت بفرح، وقد ظنت أنه يلين ويرضخ: أن ترد إليهم أراضيهم.

فهز رأسه بعنف، وقال بلهجة شديدة: أنت لا تدرين من الأمر شيئا يا رادوبيس، لقد قلت كلمتي فلم تحترم، ونفذت على كره، ولم يسكتوا عن الاحتجاج، وما انفكوا يتحدونني، فالتسليم لهم هزيمة لا أرضاها، وأتمنى دونها الموت، أنت لا تدرين معنى الهزيمة في نفسي، إنه الموت، ولو فازوا علي بنيل بغيتهم لوجدتني رجلا غريبا حزينا أسيفا لا قدرة له على الحياة ولا الحب.

ونفذت كلماته إلى قلبها، فشدت على يديه بقوة، وأحست برجفة تسري في أوصالها، وقد هان عليها كل شيء إلا أن يصبح لا قدرة له على الحياة والحب. ونبذت رغبتها، وأسفت على توسلاتها، وصاحت بصوت متهدج: لن تذل أبدا .. لن تذل أبدا.

فابتسم إليها بحنو، وقال: نعم لن أذل .. ولن تكوني القضاء الذي يسومني الذل أبدا.

ناپیژندل شوی مخ